سبع تقنيات للتستر على التعذيب في البحرين هذه الذكرى تعود وتتجدَّد مع استمرار الاعتقالات التعسفية وطرق السلطة الأمنية في التعامل مع معتقلي الرأي والضمير، وهنا: نقف على عدة تساؤلات، لماذا السلطة الأمنية في البحرين لازالت تمارس انتهاك حقوق الإنسان؟، هل يوجد غطاء يحمي العناصر الأمنية من التجاوزات الحقوقية الكارثية؟، والسؤال الأهم: ما هي تقنيات التستر على التعذيب؟. بعد صدور تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق التي أصدرت التقرير الشهير (تقرير بسيوني)؛ حيث أوضح التقرير العديد من التوصيات في لحل الأزمة الحقوقية في البحرين -رغم تحفظنا على بعض ما ورد في التقرير- ذهبت السلطة إلى إجراءات شكلية لإظهار صورة ملمعة لها أمام المؤسسات الحقوقية بأنها على التزام تام بما قدمته اللجنة من توصيات. هنا سأشير إلى طريقة التعاطي مع ضحايا التعذيب والاعتقال وكيفية التهرب من تنفيذ التوصيات والتظاهر أمام مؤسسات المجتمع الدولي بأنها تمارس التوصيات بكل دقة ومهنية، إليكم بعض النقاط لتكون الصورة أكثر وضوحا: 1- في حال مداهمة منزل أو اعتقال شخص من أي جهة تقوم السلطة الأمنية باعتقاله بشكلٍ تعسفي بدون إبراز إذن النيابة العامة إلى الضحية، وبعد الانتهاك بشكل فاضح تقوم السلطة الأمنية بطلب استخراج ورقة إذن اعتقال أو مداهمة بتاريخ أسبق للواقعة، بحيث إذا طلب محامي أو مؤسسة حقوقية النظر في القضية تظهر الإجراءات الشكلية بأنها قانونية 100%. 2- بعد اعتقال الضحية يؤخذ إلى غرف الموت (الغرف السوداء) في التحقيقات الجنائية ليبدأ مسلسل الانتقام في تعذيب الضحية، ولكي تتهرب السلطة الأمنية من اتهام الضحايا لها بأنهم يمارسون التعذيب، تقوم الأجهزة الأمنية بوضع كاميرات في (بعض غرف التحقيق) التي لا يمارس بها التعذيب وبعد جولة كبيرة من تعذيب الضحية يدخلونها على غرفة التي بها الكاميرات مع المحقق الهادئ وصاحب القلب العطوف الذي يأخذ ويعطي مع الضحية بكل محبة، وأما قبل إدخال الضحية لغرفة التصوير يطلب منه الإدلاء بالاعتراف على نفسه في القضية التي تراها الأجهزة الأمنية مناسبة وإلا سوف تتعرض إلى نفس التعذيب السابق وأكثر، والهدف واضح من هذا الفيديو للضحية بأنه يقدَّم إلى الجهات معنية (النيابة العامة، والمحكمة، وربما بعض الجهات الحقوقية المطالبة في الكشف عن التعذيب) ويبرز الفيديو المصور بأن الضحية اعترفت بما قامت به بدون أيّ ضغطٍ عليها. 3- بعد استكمال جميع الإجراءات في التحقيقات، وبعد أن تضمن الجهات الأمنية بأنها وصلت للمرحلة القانونية التي تجعل قضية الضحية لصالح الرواية الأمنية، ولا يوجد فيها أي ثغرات ضد السلطة بحسب اعتقادهم -الكثير من الدعاوى الجنائية للضحايا مليئة بالتناقضات والتهافت- بعد ذلك يقومون بإرسال الضحية إلى النيابة العامة، وهنا تبدأ معاناة جديدة حيث تعتمد القضية على مزاج وكيل النيابة العامة؛ فحين تدعي الضحية بأنها تعرضت للتعذيب وهي اعترفت في التحقيقات نتيجة الضغط النفسي والتعذيب الجسدي، فهناك إجراءان قد يتخذ وكيل النيابة العامة هما كالتالي: الإجراء الأول: يقوم وكيل النيابة بتسجيل الادعاء، ويطلب تحويله إلى الطبيب الشرعي. هنا يعطى موعد التحويل من وإلى شهر أو أكثر لتذهب آثار التعذيب من جسده. الإجراء الثاني: يقوم وكيل النيابة العامة بإخطار التحقيقات بأن الضحية لم تعترف، وأنتم لم تقوموا بعملكم الصحيح، فتبادر الجهات الأمنية بأخذ الضحية مرة أخرى إلى الغرف المظلمة ويقومون بالتشفي من الضحية لأنه لم يعترف أمام النيابة العامة عبر وجبات تعذيب أخرى. 4- بعد مضي العديد من الأسابيع -كما يحدث مع بعض الضحايا الذين وثقنا حالاتهم بأنهم نسوا طلبهم من النيابة العامة أصلا لتحويلهم إلى الطبيب الشرعي- عند أخذهم للطبيب الشرعي إذا كانت هناك أجزاء بسيطة من الكدمات يتم تشخصها من قبل الطبيب الشرعي بأنها آثار غير واضحة، ويكتب في التقرير: هناك كدمات على جسد السجين ولكن يصعب تشخيصها بأن هذه الكدمات هل هي نتيجة تعذيب؟ أو هي أساساً كدمات قبل الاعتقال؟، وفي هذه الحالة تضيع أصل الشكوى ويتم إضافة الملف الطبي المعزِّز في قضية الضحية لصالح الأمن بأنَّ الإجراءات المتبعة سليمة جداً والأجهزة الأمنية هم ملائكة والضحايا يدعون ضدهم زوراً وبهتاناً.
5- بعض الضحايا يطلبون التواصل مع (الأمانة العامة للتظلمات) لإثبات مظلوميتهم، وعند رفع الشكوى لديهم يقومون بأخذ الأوراق الرسمية ويثبتون بأن الضحية هي تدَّعي بما ليس واقعياً، وإن أثبتت الضحية بالأدلة بأنه تعرضت إلى تعذيب أو انتهاك معين، تذهب الأمانة العام للتظلمات إلى صناعة الأكاذيب والتهرب من الواقع. 6- تتواصل الانتهاكات ضد الضحية في التوقيف إلى أن يأتي وقت المحكمة ومن تلك الانتهاكات: (الحرمان من الاتصال، الحرمان من العلاج، الحرمان من الزيارة، ضرب جماعي أوقات متأخرة من الليل في وقت النوم، الحرمان من التشمس، الحرمان من ممارسة الحريات الدينية، عدم السماح بحضور تعازي أقربائهم، الإهانات المتكررة من منتسبي الأجهزة الأمنية، العزل في الانفرادي وإلخ...). 7- عند وصول الضحية إلى قاعة المحكمة ويقف أمام القاضي ويقول بأنه تعرض لأبشع أنواع التعذيب وهذه الاعترافات أُخذت منه تحت وطأة التعذيب، هنا القاضي لا يريد أن يسمع بأن هناك تعذيب في البحرين أساسا، ولا يسمح للضحية أن تكمل معاناتها، بل يثبِّت الحكم على الضحية بدون أن يأخذ بعين الإعتبار إلى أقوال الضحية، بل يعتبر بأن أوراق الإدعاء ضد الضحية هي الأدلة الكافية وليس بها أيَّ شبهات. بالإضافة إلى استفادت الأجهزة الأمنية من المؤسسات الحقوقية الشكلية التي أنشأتها السلطة للإيحاء بأنها مستقلة، كما يقول المثل (خباز مو إليك)، حيث تدأب المؤسسات بتكذيب كل ادعاء للضحايا ضد الأجهزة الأمنية وتلميع صورة الجلاد لتحوله ملاك لا يخطئ. هذا جزء مختصر لطريقة تعامل الأجهزة الأمنية في التهرب من تنفيذ التوصيات الحقوقية لإيقاف التعذيب، عبر تبرئة المتورطين من جناة الانتهاكات والتستر على ما يحدث من وقائع مؤلمة للمعتقلين السياسين. إنَّ ما وصلت إليه البحرين من تضخم سلبي في الملف الحقوقي السيء هو نتاج التهرب من معالجة الانتهاكات بل هو تلاعب في معاناة الضحايا وتتهمهم بالكذب على السلطات الأمنية (الملائكية!!)، وإن دل على شيء يدل بأن الأجهزة الأمنية خلفها دول تتقاسم التعذيب والتضليل على جراح الضحايا ولهذا السبب ترى السلطة الأمنية بأنه لا يوجد من يوقفها. مسؤول الرصد في منتدى البحرين لحقوق الإنسان |