أن تكون السلطات الرسمية مستمرة في صناعة القمع السياسي وتطوير أشكاله (أمنيا وتشريعيا وتنفيذيا وقضائيا)، لا يعني أنَّها لا تشتغل على محاولة تجاوز الأخطاء السابقة في تسويق القمع السياسي، وبعبارة أدق فإنَّ تجربة العشر السنوات من (إزعاج) الدبلوماسية الحقوقية يتطلب منها تغييرا في الأدوات والسياقات؛ نحن هنا نتحدث عن مرور عقد على صدور تقرير بسيوني والكلام المكرر عن الفشل في تنفيذ التوصيات الأساسية.
من حيث السياق؛ يفرض عدم توفر الإرادة الرسمية لإنتاج الحلول السياسية الجذرية أن تذهب السلطة إلى ما تجيد فعله وهو توفير وسائل الالتفاف، هي هواية قديمة لها، أليس هذا ما فعلته بتوصيات تقرير بسيوني؟، لجنة ثم لجنة ثم لجنة حتى بتنا أمام فائض لجان مهيئة لكل مرحلة للإجابة على أسئلة الإدانة الحقوقية، من هنا نستطيع القول أنَّ عدم اتخاذ أي تدابير جدية لإيقاف العنف الرسمي -حتى اللحظة- يجعلنا نستشرف حقيقة الخطوات المقبلة -مالم يحدث أي تغيير جذري عام في المشهد-، فمقابل الإفراجات المحدودة هنالك الإعلان عن الخلايا الأمنية واستمرار الاعتقالات التعسفية، وأمام خطاب السجون المفتوحة لازال بعض سجناء الرأي يخوضون معارك الإضراب المفتوح عن الطعام، بالمحصلة فإنَّ السياق السياسي حتى اللحظة لا يحمل متغيرا أساسيا.
ماذا عن تحديث الأدوات؟؛ في 04 أكتوبر/تشرين الأول أشار بيان مجلس الوزراء في الاجتماع الاعتيادي الأسبوعي عن الموافقة على مذكرة اللجنة الوزارية للشؤون القانونية والتشريعية بخصوص مذكرة التفاهم حول التعاون الفني بين حكومة مملكة البحرين ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، سبقه خطاب حقوقي مستجد يتحدث عن (السجون المفتوحة) و(العقوبات البديلة)، طبعا لا نغفل الإشارة إلى أنَّ ذات الاجتماع لمجلس الوزارء شمل مناقشة نتائج زيارة وزير خارجية كيان الاحتلال الإسرائيلي إلى البحرين، وهي الزيارة التي لن تكون لصالح قضايا حقوق الإنسان محليا قطعا.
تزامن مع هذه الخطوات تغيير دبلوماسي مرَّ بهدوء وهو تعيين عبدالله فيصل جبر الدوسري رئيسًا للبعثة الدبلوماسية للبحرين لدى مملكة بلجيكا بلقب سفير فوق العادة مفوّض، الدوسري كان مساعد وزير الخارجية والمعني بإدارة شؤون حقوق الإنسان في الوزاة لسنوات طويلة، بعبارة أخرى إبعاد بعض الشخصيات ذات الخلفية الأمنية التي كانت معنية بمتابعة الملف الحقوقي، نشير هنا إلى أنَّ الدوسري عمل بوزارة الداخلية لمدة 25 سنة، واتسمت إدارته للملف الحقوقي بالطابع الأمني.
إذا، أمام الحديث عن (مذكرة التفاهم) مع المفوضية السامية، أو مشروع (الخطة الوطنية لحقوق الإنسان)، من الواضح أنَّ السلطة بدأت تتجه إلى مقاربة دبلوماسية مختلفة مع المؤسسات الدولية من دون إصلاح حقوقي شامل وذا مغزى، في السابق كانت الدبلوماسية الحقوقية الأمنية (بإدارة الدوسري) تميل للصدام واستخدام ذات اللغة التي يواجه بها المجتمع المدني المستقل والمناهض للسلطة، وفيما يبدو فإنَّ السلطة تميل الآن إلى استخدام دبلوماسية الاحتواء التدريجي، في محاولة للانفتاح المدروس على المؤسسات الحقوقية الدولية بما يعنيه ذلك من تغير طفيف من حيث الشكل (ربما) كالسماح لتبادل الزيارات في قبال الضغط الرسمي لتخفيف الإدانات والاستحصال على خطاب حقوقي (بصبغة إشادة) تحت شعار (التدرج في تطوير الآليات الحقوقية وضرورة التشجيع)، هل تنجح هذه الدبلوماسية في تخفيف الضغط الحقوقي؟، مع استمرار تغليق الفضاء الديمقراطي لا يبدو ذلك!.