الدور الملتبس للأوقاف الجعفرية خلال موسم عاشوراءغنى رباعي باحثة في منتدى البحرين لحقوق الإنسان من الخصوصيات الدينية لدى المسلمين الشيعة هو إدارة ما يسمى "الوقف الشرعي" وفق مقررات المذهب الشيعي؛ حيث يجيز الفقه الشيعي ايقاف الأشياء والأماكن والبنايات وفق ضوابط خاصّة، فإذا تمَّ الوقف بشروطه الشرعيّة خرج الشيء الموقوف عن ملك من وقفه وأصبح مالاً لا يوهب ولا يورث ولا يباع إلاّ في حالاتٍ خاصّة نصّت عليها كتب الفقه، وهو بذلك يستخدم للأغراض الدينية؛ كأن يشتري فرد ما قطعة أرض ويبني عليها دار عبادة ويسميها "وقفا" أي تخرج بذلك عن ملكيته وتصبح خاضعة لأحكام فقهية خاصة بالطائفة الشيعية. وتجدر الإشارة إلى أن القوانين الدولية تمنح الطوائف الدينية حق إدارة أوقافها بنفسها وفق قناعاتها الاجتماعية وضوابطها الشرعية ومصالحها الدينية، إلا أن السلطة تصادر حق إدارة الأوقاف الإسلامية منذ عقود، ونحن نتحدث هنا عن الوضع الحقوقي لحالة "الأوقاف الجعفرية" في البحرين، بوصفها تشكل نموذجا للاضطهاد الطائفي الممارس ضد المواطنين الشيعة. وقد مارست الأوقاف الجعفرية خلال موسم عاشوراء لهذا العام دورا ملبتسا فيما يتعلق بمساعدة الجهات الرسمية للتضييق على إحياء مراسم عاشوراء، وهو ما يعيدر التذكير باشكالية عدم استقلالية الأوقاف الجعفرية. أولا: من حيث الإطار القانوني العام إنَّ مجلس إدارة الأوقاف الجعفرية يعيّن بإرادةٍ حكومية منفردة؛ حيث يتم تعيين الرئيس وعشرة أعضاءٍ بمرسوم ملكي، ويُلحق المجلس المعيّن بوزير العدل والشؤون الإسلامية في البحرين. وبذلك يتم التعيين بعيدًا عن مراعاة الخصوصية المذهبية المكفولة في المواثيق الدولية، كما يتم التعيين بإرادةٍ منفردة تتجاوز إرادة واختيار مئات الهيئات الوقفية التي ينبغي لإدارة الأوقاف الجعفرية الإشراف على أصولها الوقفية وتنميتها وصونها من الضرر والخسائر. ثانيا: الإعلان الصريح عن كون الأوقاف جهة تنفيذية في 16 أغسطس 2020 عقد رئيس إدارة الأوقاف الجعفرية يوسف صالح الصالح لقاء عن بعد (عبر برنامج الزوم) مع ممثلي المآتم والحسينيات، بحضور مملثين عن وزارة الداخلية، ونوّاب عن المحافظات الأربع، ووزارة الصحة والفريق الوطني لمكافحة فيروس كورونا. خلال اللقاء شدد رئيس الأوقاف الجعفرية على أن إدارته هي مجرّد "جهاز تنفيذي يتبع وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، وتعمل ضمن دائرة الجهات الحكومية وملتزمة بقراراتها وخصوصاً الجهات الطبية لما يمر به العالم من جائحة كورونا". ويعد هذا الاعتراف من رئيس الأوقاف الجعفرية بأنَّ إدارته مجرد "جهاز تنفيذي" هو الاعتراف الأول لمسؤول يرأس الأوقاف الجعفرية يعبِّر بشكل واضح عن عدم استقلالية الأوقاف الجعفرية. ثالثا: واقع الأوقاف الجعفرية كأحد شواهد الاضطهاد الطائفي - مظاهر: تقويض الاستقلالية في التسجيل أو الشراء:
- الآن، لا يمكن بناء أي وقف إلا بعد قرار سياسي من السلطة، ولو كان المسجد في زقاق
- الاتصال من الديوان الملكي لأخذ الأرض: وفرض إدارات معيّنة أدّى إلى استشراء الفساد المالي والإداري؛ لدرجة لا يستطيع فيها مجلس إدارة الأوقاف أن يرفض طلبا يأتيه عبر مكالمة هاتفية لأحد الأطراف من الديوان الملكية الذي يريد الاستيلاء على أرض وقفية.
- يمنع تسجيل أي وقف للطائفة الشيعية في مدينة حمد.
- يمنع شراء أو تسجيل أي وقف للطائفة الشيعية في منطقة الرفاع.
- عرقلة أي تسجيل أو وقف للطائفة الشيعية في منطقة المحرق.
- أي بناء لأي مسجد أو حسينية للطائفة الشيعية يذهب لوزير العدل، الذي يحول الطلب للجنة يرأسها شخص ليس من الطائفة الشيعية وهو بدوره يقدر أن يكون هناك مصلحة لتسجيل هذا الجامع للطائفة أو لا.
- قبل سنوات تم تسجيل أرض في الرفاع لبناء مسجد عليها للأوقاف الجعفرية، أجبروا الأوقاف على بيع الأرض لجهة أخرى.
- عرقلة الإجراءات الإدارية لإدارات الحسينيات، على سبيل المثال: رغم متابعة متولي مأتم الشويخ للمتابعة مع الجهات الرسمية بتقديمه طلب لهدم قبة مأتم الشويخ في سنة 2012 فإنَّ التقاعس الإداري للجهات الرسمية تسبب بسقوط قبة مأتم الشويخ وتضرر المبنى الرئيسي في 17 مايو 2020، تصورا عدم استصدار الموافقات اللازمة للترميم لمدة 8 سنوات!.[1]
- خضوع إدارة الأوقاف الجعفرية لتأثيرات الأجهزة الأمنية، من أمثلة ذلك:
- رؤساء الحسينيات لا يستطيعون عمل أي شيء في التصرف بالوقف إلا باستشارة الأوقاف التي تعود لوزارة العدل والتي تعود بدورها لاستشارة وزارة الداخلية، وهو ماؤكد بأنَّ إدارة الوقف تخضع لنفوذ الإدارة أمنية.
- رئيس الأوقاف الجعفرية السابق طلب من وزارة الداخلية تزويده بتواريخ دخول ومغادرة قيمي المساجد من البحرين.
- في 21 أغسطس 2020 دعت إدارة الأوقاف الجعفرية جميع إدارات المآتم (الرجالية) إلى تشكيل لجنة تنظيمية وقت القراءة الحسينية لعدم السماح بالتجمعات في محيط المأتم؛ وذلك بعد فشل العناصر الأمنية لوزارة الداخلية في منع التجمعات الدينية التي كانت تجري وفق الاحترازت الطبية المشددة، وكان يراد من ذلك التسبب بمشاكل اجتماعية.
المؤسسات الوقفية وشخصيتها الاعتبارية إنَّ المؤسسات الوقفية لها شخصية اعتبارية وفقا للقانون المحلي والدولي حيث تنص المـــادة (17) من القانون المدني البحريني على أن الشخصية الاعتبارية هي مجموعة من الأشخاص أو الأموال ويعترف لها القانون بهذه الشخصية. كما تنص المـــادة (18) من القانون المدني البحريني على التالي: “يتمتع الشخص الاعتباري بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازمًا لصفة الإنسان الطبيعية، وذلك في الحدود المقررة لـه قانونا؛ فتثبت للشخص الاعتباري ذمة مالية مستقلة، وأهلية، وحق في التقاضي، وموطن مستقل، فضلًا عن وجود نائب له يعبر عن إرادته”. ما يعني بأنَّ المؤسسات الوقفية لها حقوق ولها ذمة مالية مستقلة، ولا يحقّ لأحد التصرف في ريع الوقف إلا بإذن صاحب الوقف أو من ينيب عنه؛ وإن اختلاط أموال المؤسسات الوقفية مع حساب إدارة الأوقاف الجعفرية يعد تجاوزا قانونيا على سبيل المثال. وهنا نود أن نشير إلى أنَّه رغم ما وثقه تقرير بسيوني والتقارير الحقوقية المحلية من تورط الجهات الرسمية في 2011 بهدم 5% من المساجد المسجلة في الأوقاف الجعفرية؛ فإنَّه بدى واضحا عدم قدرت إدارة الأوقاف الجعفرية آنذاك على حماية الأوقاف بسبب هيمنة الجهات الرسمية، ويكفينا هنا أن نشير مثلا إلى أنَّ هدم مسجد البربغي الذي تجاوز عمره 450 سنة كان يشكل مخالفة صريحة لإعلان اليونسكو للتنوع الثقافي الذي نصّ بصورةٍ صريحة على ضرورة اتخاذ الدول للتداببر التي تحول دون وقوع استهداف التراث الثقافي والروحي للمكوّنات المجتمعية. |