الطبيبة والناشطة الحقوقية التركية شبنم كورور فنجاني: يوسف الموالي عُذّب وأُغرِق... والكادر الطبي هو الأقدر على التوثيق
مرآة البحرين (خاص): مغامرتها في البحرين، ويحق لنا أن نسمي ما أقدمت عليه مغامرة، كشفت عن شجاعة لا توصف. هي مستعدة دائمًا لفعل أي شيء في نضالها من أجل حقوق الإنسان. إنها السيدة شبنم كورور فنجاني التي تعرف عن نفسها دائمًا بكونها أستاذة في الطب الشرعي في جامعة اسطنبول وناشطة في مجال حقوق الإنسان. هي عضو مؤسس في منظمة حقوق الإنسان في تركيا التي تم تأسيسها في عام 1990، وقد أصبحت رئيسة لها منذ العام 2009. وهي أيضًا عضو مجلس في المجلس الدولي لتأهيل ضحايا التعذيب( IRCT)، والذي يقع مركزه الأساسي في كوبنهاغن، وعضو في فريق خبراء الطب الشرعي الدولي وفي الجمعية الطبية التركية. تعمل حاليًا على الحياد الطبي لأنه، كما تقول، بعد ما حدث مؤخرًا في البحرين، واجهت مشاكل مع الحكومة. فلقد حاولت هذه الأخيرة الحكم على الكادر الطبي بتهمة تقديم الخدمات الطبية للأشخاص الذين أصيبوا في الاحتجاجات.
التقتها مرآة البحرين في فعاليات المؤتمر الدولي الثالث: "البحرين: الانتهاكات المستمرة والإفلات من العقاب" والذي نظّمه منتدى البحرين لحقوق الإنسان بالتعاون مع مرصد البحرين لحقوق الإنسان، وأجرت معها هذا اللقاء.
المرآة: هل دفعك الطابع الطبي للاهتمام بقضية البحرين أم أن ذلك كان اهتمامًا بالجانب الإنساني للثورة؟
شبنم كورور فنجاني: كناشطة في مجال حقوق الإنسان لدي اهتمام بالثورات الأخيرة في الشرق الأوسط. حاولنا متابعة ما يحصل في المنطقة وحول العالم انطلاقًا من كوننا نعارض أي انتهاكات لحقوق الإنسان. لقد شهدنا جميعًا كيف يتم انتهاك حقوق الإنسان في البحرين ومصر وغيرها من البلدان: هناك أناس أُصيبوا وقُتِلوا...لكن كأخصائية طبية، أهتم بانتهاكات حقوق الإنسان انطلاقًا من هذا المجال، لأني أعتقد أن دور الأخصائيين الطبيين مهم جدًا في توثيق هذه الانتهاكات، حيث أنه من الضروري جدًا حفظ الأدلة وإيصال هذه القضايا إلى المحكمة للاستئناف ولإثبات كيفية حصول انتهاكات حقوق الإنسان. كما أنه من الضروري أيضًا رفع مستوى الوعي لدى المجتمعات الدولية. لا يكفي أن تقول أنه تم ضربك او جرحك أو إهانتك، عليك تقديم الأدلة المادية التي تثبت مدى معاناتك من هذه الانتهاكات. من هنا، أرى أن الأخصائيين الطبيين يلعبون دورًا بارزًا في الحراك من أجل حقوق الإنسان، وهذا ما أثبتته تجربتنا في تركيا على الأقل. فطيلة الثمانينيات والتسعينيات، ازداد اهتمام أخصائيي الطب بانتهاكات حقوق الإنسان، وأطلقوا عدة منظمات في مناطق مختلفة من العالم. مثلًا، تم إنشاء المجلس الدولي لتأهيل ضحايا التعذيب(IRCT) في العام 1985، وتبع ذلك إنشاء منظمات عدة في البلدان الأوروبية وغيرها من البلدان التي عانت من انتهاكات حقوق الإنسان. لاحظنا أن لدى هؤلاء الأخصائيين الطبيين دور قيادي اختصاصي في هذه المنظمات، لأن عددًا كبيرًا منها مختص بإعادة التأهيل. وهناك أيضًا التوثيق الذي يشكل مسألة مهمة في هذا المجال. بدأنا بالبحث عن مبادئ توجيهية لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان. في العام 1990، نشر عدد من ناشطي حقوق الإنسان-بعضهم أخصائيون طبيون والبعض الآخر مُشرِّعون- بروتوكول مينيسوتا للتشريح وهو ما يُعرف باسم "المضبطة النموذجية لتشريح الجثث"، للتحقيق في حالات القتل خارج نطاق القانون وفي حالات الإعدام بإجراءات موجزة (أي من دون محاكمة) والإعدام التعسفي. في العام 1996، استطعنا وضع المبادئ التوجيهية للتحقيق وتوثيق معاناة الناجين من التعذيب. وفي العام 1999، أنجزنا بروتوكول اسطنبول للتحقيق والتوثيق الفعّالين. أعتقد أنه مزيج بين كوني ناشطة في مجال حقوق الإنسان وأخصائية طبية تشعر بمسؤوليتها تجاه الإنسانية.
المرآة: كان لديك تجربة مهمة جدًا في البحرين. ذهبت إلى هناك كسائحة وأجريت تحقيقك الخاص عن الشهيد يوسف الموالي، وكانت نتائجك مغايرة تمامًا لرواية الحكومة البحرينية. حدثينا عمّا جرى؟
شبنم كورور فنجاني: كانت تجربة مهمة جدًا. في الواقع، لم أتوقع الحصول على تلك النتائج. كان قد مضى ثمانية أيام تقريبًا على الوفاة ولم أكن أعلم ما هي حالة الجثة تمامًأ، ومن الصعب إيجاد أدلة واضحة مع التغييرات التي تحصل في فترة ما بعد الوفاة في هذا النوع من القضايا. كانت جثته قد بقيت لمدة من الزمن في البحر، لكننا لا نعلم لكم من الوقت تحديدًا، وهذا النوع من الظروف يغير وفي بعض الحالات يدمر الأدلة. كان ذلك مهمًا جدًا حيث حصلنا على أدلة مادية على التعذيب بالكهرباء، ولقد فحصت أيضًا بعض ضحايا التعذيب،ـ وكان هناك أدلة على التعذيب الجسدي، بشكل خاص وجدنا آثارًا للضرب القاسي في حالات عدة. من المهم طبعًا فحص هذه الحالات وإيجاد أدلة مادية لكن الأمر لم يكن بهذه السهولة، حيث أن هذا النوع من الحكومات لديه تاريخ في انتهاك حقوق الإنسان، لا يسمحون لك بالتجول بحرية وبتشريح جثة أو بفحص الضحايا. لا يسمحون للأشخاص أيضًا بدخول بلادهم. كنا قد ناقشنا المسألة سابقًا في فريق خبراء الطب الشرعي الدولي، فأعلنّا أنه هناك حاجة ماسة لخبير في الطب الشرعي يدخل إلى البحرين ويجري تشريحًا، وقد تقدم المجلس الدولي لتأهيل ضحايا التعذيب(IRCT) بطلب رسمي لإرسال خبير، لكن الحكومة البحرينية رفضت ذلك بالطبع.
وحتى في الحالات التي طلبنا فيها مقابلة الناس ومراقبة الأوضاع، لم يستطع مدير منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان جويل لامستين دخول البحرين. لذلك ناقشنا المسألة وكان الحل الأفضل هو دخول البلاد بطريقة شرعية لكن من دون أن يلاحظ أحد ذلك. ولا أحد يستطيع فعل ذلك مثلي، إذ أنني كمواطنة تركية، لا أحتاج إلى تأشيرة دخول لدخول البحرين، كما أنه عليّ فقط تغيير ملابسي، إذ أن ملامحي مشابهة جدًا لملامح البحرينيين، وهكذا كان:
خلت البلاد كسائحة، غيرت ملابسي طبعًا كي لا يلاحظني أحد بشكل مباشر، وارتديت الحجاب للمرة الأولى في حياتي (أعترف أن هذا ليس سهلًا أبدًا). كانت ثيابي تغطيني بشكل كامل وكنت أحمل تحتها قفازات التشريح الخاصة بي. بالطبع كان ذلك صعبًا بعض الشيء، حيث أني لم أكن أعرف أشخاصًا يساعدونني في عملية التشريح لكن هذا كان ممكنًا. يمكنك أن تجري تشريحًا في أي مكان. لم أستطع إحضار حقيبتي وأدواتي الطبية معي. وأمّن لي بعض البحرينيين الأدوات الطبية الجراحية المعتادة، لكن أدواتنا المستخدمة في التشريح مختلفة بعض الشيء.
المرآة: ما هي النتائج التي خلصت إليها؟
شبنم كورور فنجاني: كانت عملية مهمة جدًا. فلقد ادعت الحكومة البحرينية أنها قامت بتشريح جثة الشاب يوسف الموالي. لكني استنتجت أنهم فقط قاموا بقص الجثة والنظر بداخلها وما إلى ذلك من التفاصيل الشكلية. فحصوا القلب بطريقة شكلية وكذلك الدماغ وكلية واحدة. لكن على سبيل المثال لاحظت أنهم لم يفحصوا الكبد، كما أنهم لم يقوموا بفحص الأنسجة. وهو أمر أساسي يتوجب على الطبيب الشرعي فعله في أي تشريح. أخذوا فقط عينات من الدم والبول بهدف دراسة إمكانية التسمم على ما أعتقد.
للأسف، لم يكن تشريحًا كامل للجثة. يبدو الأمر رسميًا كما لو أنهم أجروا تشريحًا لكن الواقع كان مغايرًأ: لم يتم إجراء أي تشريح. حين قمت بذلك، جمعت عيّنات من الأنسجة. لم أعلق الكثير من الآمال على هذه المسألة بسبب التغييرات التي تحصل بعد الوفاة، لاحظت أيضًا وجود بعض الجروح وجمعت العيّنات منها أيضًا. تبين أن بعضها ناتج عن الصدمات الكهربائية. كان هذا تشخيصي، ففي بعض الأحيان لا نستطيع إيجاد هذا النوع من الأدلة الواضحة، لكن في حال يوسف الموالي كان هذا واضحًا جدًا. كان هناك أيضًا أدلة على أنه تم إغراقه. وكان عليّ تحليل كل هذه الأدلة المهمة جدًا.
أعددت أيضًا تقارير طبية شرعية عن حالة اثنين من ضحايا التعذيب. كان لديهما بعض الجروح والإصابات الناتجة عن الضرب. كانت آثار الضرب نموذجية وواضحة جدًا. كان لدى أحدهما خلل في طبلة الأذن، وكان أنف الآخر مكسورًا، وهذا أيضًا نموذجي جدًا في حالة صدمات الرأس.
جمعت أيضًا عينات عن الأنسجة لكن كان لدي مشكلة في إخراجها من البلاد حيث أني أحتاج مختبرًا مجهزًا لمعالجة عينات الأنسجة ومعاينتها مجهريًا. كما أنني أحتاج إلى مساعدة زملائي الذين يمتلكون خبرات كبيرة في هذا المجال. شكل هذا تحديًا. كنت قلقة بعض الشيء في المطار، لكنني استطعت إخراج هذه العينات بنجاح.
المرآة: كيف كانت ردة فعل الحكومة البحرينية؟
شبنم كورور فنجاني: لقد أدانتنا الحكومة البحرينية بالطبع ووجدت هذا التصرف مثيرًا للغضب. لكني لا أعتقد أنه كذلك. لدى الجميع الحق في أن يكون لهم رأي ثان، القضية الأهم هي الاعتراف بحق الشعوب في أن يكون لديها هذا الرأي.
المرآة: ما مدى أهمية ما قمت به قضائيًا؟
شبنم كورور فنجاني: أعلم أن ما قمت به لن يكون مفيدًا في محاكم البحرين، لكن هذه الأدلة تستند إلى معايير دولية والتقارير تم إعدادها أيضًا وفق المعايير القانونية الطبية القياسية، تستطيع أي محكمة الاعتراف بها لأنها تقارير ذات مصداقية: لدينا أدلة مادية: صور عينات الأنسجة وصور مجهرية. وصفنا ما رأيناه وشرحنا لم استنتجنا أنه كان هناك صدمات كهربائية وعملية إغراق بالنسبة ليوسف الموالي. ولدينا صور عن الحالات الأخرى وأدلة وتقارير نشرح فيها لم قررنا أنه كان هناك ضرب وصدمات على الرأس.
يجب إبراز هذه التقارير والأدلة للمجتمع الدولي، سيكون هذا مساعدًا جيدًا في دعم قضية البحرين. لقد قمت بإجراء هذا التشريح بناء على طلب المحامين، لكنني كنت أقوم به من أجل عائلة يوسف الموالي، فهم، بالإضافة إلى الضحية، مرضاي الحقيقيون. لا أريد إيذاء هؤلاء الأشخاص، بل أريد إفادتهم: وأفضل شيء أقدمه لهم هو إقرار شخص لا ينتمي إلى العائلة بوجود تعذيب. فلهذا أثر شافٍ عليهم، لن يستطيعوا إنهاء حدادهم إن كانوا يعتقدون أن لا أحد يحترم رأيهم في هذه المسألة. ويعود إليهم قرار أخذ هذه الأدلة إلى المحاكم الدولية أو عدم فعل ذلك. لم أسمع عن قضايا أخرى، وأعتقد أن ذلك قد يكون سببه الخوف أو التهديد المباشر.
المرآة: هل قدمت هذه الأدلة والتقارير إلى منظمات دولية؟
شبنم كورور فنجاني: قدمتها للمجلس الدولي لتأهيل ضحايا التعذيب(IRCT)، فأنا عملت في هذه القضية نيابة عنه، ويعود إليه أمر مشاركتها مع منظمات دولية أخرى، ولكن طبعًا مع الحصول على موافقة أفراد عائلة الضحية وضحايا التعذيب. لا أعلم فعلًا إن كانوا حصلوا عليها. يستطيعون رفع مستوى الوعي الدولي حول هذه القضايا.
المرآة: ما رأيك بالوضع القائم في البحرين حاليًا؟
شبنم كورور فنجاني: الوضع ليس سهلًا على الإطلاق. الصراع لن يتوقف فجأة لكن لدينا نتائج. قد نكون صغيرة من حيث الحجم لكن تراكمها سيؤدي إلى تغييرات كبيرة، ربما على مستوى حقوق الإنسان أيضًا. على الشعب البحريني التحلي بالصبر وعدم إيقاف كفاحهم.
إنه لمن المهم جدًا أن تكون قويًا وتكافح ضد المواقف القمعية للحكومات. بالنسبة للبحرين، أعلم أن كل ناشطي حقوق الإنسان ملتزمون بالكفاح. ومن المهم أن يتمسك الأشخاص الذين عانوا من انتهاكات حقوق الإنسان بمواقفهم بعناد. أنا متأكدة من أنهم سيستطيعون التغيير في البحرين ولكن ذلك لن يحصل بين ليلة وضحاها. المرآة: ماذا تقولين للشعب البحريني في الذكرى الثالثة لثورته؟
شبنم كورور فنجاني: أقدر كثيرًا كفاحهم وصبرهم وعنادهم في تحقيق مطالبهم. أقول لهم إني دائمًا معهم، حتى لو لم أستطع ذلك جسديًا. سأدعمهم في كفاحهم حيث تكون هناك حاجة. وأحاول أيضًا دعم ناشطي حقوق الإنسان في البحرين عبر إيصال صوتهم إلى المجتمعات الدولية. أحاول دائمًا إثارة قضيتهم، في اجتماعات مجلس المدينة على سبيل المثال، وحيث يمكنني ذلك. إنه لمن المهم إثارة وعي الناس في المجتمعات الدولية حول قضية البحرين. كان من المهم مثلًا إثارة القضية البحرينية في اجتماع تم عقده في الأمم المتحدة في جنيف لمناقشة الحياد الطبي. وناقشنا ذلك مع المجتمع الدولي. أكنّ تقديرًا كبيرًا لناشطي حقوق الإنسان البحرينيين لأني أعلم أنهم مهددون وأن حياتهم في خطر.