البروفيسور ألكسندر كازنيتسوف أستاذ في جامعة التجارة والاقتصاد في روسيا خبير في شؤون الشرق الأوسط
في العام الماضي لاحظ كل العالم وباهتمام الأحداث المأساوية في البحرين التي بدأت في17 شباط/ فبراير حيث كانت هناك تظاهرات سلمية من أجل إرساء الديمقراطية. ولكن هذه الوقفة في هذا البلد الصغير من أجل حقوقهم انتهت في منتصف آذار/ مارس من العام الماضي بفضل القمع القوي للمقاومة السلمية وغزو البلاد من قبل القوات السعودية. ونتيجة إطلاق مظاهرة 18 شباط/ فبراير اغتيل 5 أشخاص على يد الشرطة وجرح ما يقرب من 2000. وقامت قوات النظام بذبح الكثير من الناس وهم نيام. اعتقل وقبض على الكثير من الناس، بينهم نائبان في البرلمان البحريني: مطر إبراهيم مطر وجواد فيروز. إضافة إلى تعذيب العديد من المتظاهرين المعتقلين والناشطين في مجال حقوق الإنسان من قبل الشرطة البحرينية. وعلاوة على ذلك، تم اعتقال العديد من الأطباء البحرينيين والعاملين في المجال الطبي بسبب مساعداتهم الطبية للناس الذين عانوا من إجراءات الشرطة. كما حوكم ما لا يقل عن 24 طبيباً و23 ممرضاً وممرضة في المحاكم العسكرية. هؤلاء الأطباء والممرضات مخربون جداً؛ لأن لديهم دليلاً على الكيفية التي تصرفت بها الشرطة والجيش مع المتظاهرين. واحد وعشرون من أعضاء المعارضة الآخرين أيضاً حوكموا أمام المحاكم الخاصة (النيابة العسكرية التي تتكون من عسكري وقاضيين مدنيين)، بما في ذلك المعارض الشيعي حسن مشيمع، زعيم حركة حق المعارضة، وإبراهيم شريف، الزعيم السني لحركة وعد العلمانية التي دعت إلى نظام ملكي دستوري. هذا المثال يدل على أن الاحتجاجات السلمية للشعب البحريني لم تكن تعبيراً عن اشتباكات طائفية بل تعبير من أجل الديمقراطية. على الرغم من حقيقة أن المجتمع في البحرين يشتمل على 65% من الشيعة في هذه البلاد، إلا أن الشيعة غير ممثلين في حكومة هذا البلد. فمن بين 40 نائباً في مجلس النواب البحريني هناك فقط 18 شيعياً. وشيعة البحرين غير ممثلين في الجيش وأجهزة المخابرات في هذا البلد. وأيضاً توزيع دخل البلاد والثروة العامة في البحرين غير عادلة وغير منصفة. فالسكان الشيعة الذين يدفون الجزية في الاقتصاد العام يحصلون على دخل أقل من الدوائر السنية المرتبطة بالسلالة الحاكمة لآل خليفة. كما يمكننا الإشارة إلى تدمير المساجد الشيعية كاضطهاد ديني وقمع ممارسة الاعتقاد الديني في هذا البلد. فقد تم تدمير ما لا يقل عن 27 مسجداً وعشرات المباني الدينية - بما في ذلك مسجد أمير محمد - 400 عام. وادّعى وزير العدل ورئيس الشؤون الإسلامية الشيخ خالد بن علي بن عبدالله آل خليفة أن "هذه ليست مساجد، هذه مبانٍ غير قانونية". من المهم أن نؤكد على الطابع السلمي للاحتجاجات في البحرين. لم تطالب أحزاب المعارضة بقيام جمهورية إسلامية. طالبوا فقط بمزيد من الديمقراطية في ملكية دستورية والحوار مع آل خليفة. كان البحرينيون يقاتلون من أجل دستور جديد واحترام حقوق الإنسان، وليس ثورة أو تغيير النظام. ومع ذلك فإن ما يسمى "المجتمع العالمي" لا يعير اهتماماً كبيراً للعنف الحاصل في البحرين. وأعرب مسؤولون أميركيون عن القلق فقط إزاء قمع الحكومة البحرينية. وأعربت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عن "قلقها العميق"، وفقاً لوزارة الخارجية، و"حثت على ضبط النفس". وقال البنتاغون إن البحرين كان "شريكاً هاماً"، وفيما بعد دعا وزير الدفاع روبرت غيتس ولي عهد البحرين سلمان للتأكد من أن كل شيء كان على ما يرام مع الأسطول الأمريكي الخامس. حتى صحيفة نيويورك تايمز اضطرت إلى الاعتراف بأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد "انتقد بشكل علني وبحدة حكام البحرين وهو الذي كان قد صعد موقفه في نهاية المطاف ضد الرئيس المصري حسني مبارك - أو أنه يشير بشكل متكرر إلى الملالي في إيران". ولكن لا يستطيع، فملك البحرين هو المشتبه به الآخر المعتاد، فهو "عمود الهيكل الأمني الأمريكي في الشرق الأوسط"، و"الحليف الوثيق لواشنطن". منذ عام أشاد مساعد الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان وعلى نطاق واسع خطوات الملك حمد لـ "نزع فتيل التوترات" - مثل "الإفراج عن السجناء السياسيين، وتعديل وزاري جزئي وانسحاب قوات الأمن"، وقال فيلتمان إن واشنطن أكدت على "حوار وطني"؛ لحلول "تصنع في البحرين "، ولا "تتدخل في العملية" أية دول أجنبية. هذا النهج الأمريكي يدل على تناقض حاد مع ردود الفعل للأحداث في ليبيا وسوريا. ففي ليبيا بدأ الأميركيون وحلفاؤهم في حلف شمال الأطلسي وبريطانيا وفرنسا، دون براهين واضحة لمجازر المظاهرات على يد حكومة الزعيم الليبي معمر القذافي، في آذار/ مارس بقصف المدن الليبية العام 2011. بدأ التدخل الإنساني لحلف الناتو بإنشاء منطقة الحظر الجوي وانتهت بمساعدة عسكرية للمعارضة للإطاحة بالقذافي. كما أن سوريا تشغل بال رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما الذي طلب الرئيس السوري بشار الأسد بـ "التنحي والسماح فوراً ببدء انتقال ديمقراطي". القيادة الأميركية تعطي مساعدات مفتوحة للمعارضة المسلحة المشاركة في الحرب الأهلية في هذا البلد. لكن في البحرين، الأميركيون لا يحاولون رؤية انتهاك حقوق الإنسان وقمع الديمقراطية. هذا هو مثال واضح على النفاق والمعايير المزدوجة. حتى في العقل الأمريكي شعب البحرين الذي يناضل من أجل حقوقه هو من المرتبة الثانية مقارنة مع المعارضة في دول عربية أخرى. سبب هذا السلوك يكمن في الوجود العسكري الأمريكي على أرض البحرين والشراكة العسكرية الأمريكية مع هذا البلد. حيث إن القاعدة البحرية الأمريكية الرئيسية للأسطول الخامسة ترسو في البحرين، والأميركيون ينظرون إلى البحرين على أنها عامل مهم جداً في احتواء إيران. الأميركيون يخشون من أن يصبح البحرين الديمقراطي شريكاً استراتيجياً لجمهورية إيران الإسلامية، لذا؛ فهم يحاولون الحفاظ على الاستبداد بالرغم من انتهاكات حقوق الإنسان. البحرين هي حالة كلاسيكية للإمبراطورية الأمريكية التي تتواطؤ مع الملكية الإقطاعية/ الدكتاتورية البغيضة. لذلك يمكن للقيادة الأميركية إغلاق العين عن انتهاك حقوق الإنسان وتجاهل المطالب الديمقراطية. تماماً مثل تونس ومصر - وعلى العكس من ليبيا وسوريا - الحركة المؤيدة للديمقراطية في البحرين كانت من السكان الأصليين، ومشروعة وغير عنيفة وغير ملوثة بالتسلل الغربي أو دول مجلس التعاون الخليجي. لذا؛ فقد أصبحت أسباب الجغرافيا السياسية أقوى من المبادئ الديمقراطية. نهج الولايات المتحدة لحقوق الإنسان متطور جداً. هذا البلد يؤكد على انتهاكات حقوق الإنسان في البلدان التي أنظمتها غير صديقة مع سياسة واشنطن وتتغاضى عن إراقة الدماء وانتهاكات حقوق الإنسان الحاصلة في البلدان الحليفة. ونحن في روسيا نتذكر جيداً أن الحكومة الأمريكية استفادت من انتهاكات حقوق الإنسان في الاتحاد السوفياتي السابق لتدمير الاتحاد السوفياتي. واحد من المعارضين البارزين الموالين للولايات المتحدة فاليريا نافدفورسكايا أعلن في العام 1994 أن انتهاكات حقوق الإنسان تقدم خدمة جيدة لأعداء الاتحاد السوفيتي لتدمير بلدنا، ولكن الآن لا يعيرون اهتماماً لانتهاك حقوق الإنسان في روسيا الحديثة. نحن في روسيا نقف لتصحيح الإصابات. للأسف كثيرون في الغرب وفي الشرق الأوسط يعاملون الموقف الروسي على أنه حصراً موالٍ للشيعة ومعادٍ للسنة. هذا تفسير خاطئ. روسيا لديها أصدقاء وشركاء من الشيعة والسنة على حد سواء. نقف لتهدئة وإقامة المفاوضات للتوترات بين الطوائف. روسيا تقاوم الصراع بين الطوائف وتفضل السلام في المنطقة. الاتحاد الروسي لم يتدخل في التوترات الطائفية في الشرق الأوسط. بلدنا يحاول الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع دول المنطقة. نحن نحيّي الحوار الطائفي بين العالم مسلم. وأنه من الضروري التأكيد على أن روسيا تعيش وتتعاون بسلام مع المسلمين من السنة والشيعة. ومع ذلك فإن كثيراً من الناس في روسيا يرون وضع حقوق الإنسان في البحرين على أنه غير كاف. نقف من أجل تحرير المعتقلين، لوقف الاضطهاد الديني في البحرين وإجراء انتخابات ديمقراطية حقيقية في برلمان حقيقي الذي يمكن من خلاله التعبير عن آراء وتطلعات الغالبية العظمى من البحرينيين. |