اعتبر أعضاء المرصد البحريني لحقوق الإنسان، أن حل الأزمة الحقوقية في البحرين يتطلب الاعتراف الرسمي بوجود الانتهاكات، والابتعاد عن تغليب الحل الأمني.
وفي المنتدى الذي استضافت فيه «الوسط» ممثلين عن المرصد الذين يشاركون في الوقت الحالي في عدد من الندوات والفعاليات المقامة على هامش الدورة الـ 24 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، نفوا أن تكون زيارتهم إلى جنيف مرتبطة بأية توجهات سياسية أو بغرض الخصومة مع الدولة.
شارك في المنتدى المنسق العام للمرصد المحامي محمد التاجر، وأعضاء المرصد عيسى الغائب، وهادي الموسوي، ورولا الصفار.
وفيما يأتي النقاشات التي دارت في المنتدى:
ما مدى أهمية تطرق المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي إلى البحرين في كلمتها الافتتاحية للدورة الـ 24 لمجلس حقوق الإنسان؟
- عيسى الغائب: إنها المرة الأولى التي يتم فيها التطرق إلى أوضاع حقوق الإنسان في البحرين في الجلسة العامة لافتتاح دورة مجلس حقوق الإنسان، وهذا يعطي مؤشراً على أن بيلاي ترى تزايد انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، وخصوصاً أنها أوردت البحرين في مقدمة كلمتها الافتتاحية التي ركزت على 5 دول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لكثرة الانتهاكات فيها. كما أنها تناولت الانتهاكات الأساسية لحقوق الإنسان في البحرين، وخصوصاً فيما يتعلق بمطالبتها بإطلاق سراح المعتقلين ووقف انتهاكات حرية التجمع السلمي والجمعيات والتعبير عن الرأي، وركزت على إلغاء زيارة المقرر الخاص بالتعذيب إلى البحرين لا تأجيل الزيارة فقط، وتحدثت عن التعاون الذي كان من المقرر أن يتم بين مكتب المفوضية وحكومة البحرين، وأبدت أسفها لأن هذا التعاون لم يتم تطويره ولم يثمر عن نتيجة إيجابية.
إن تطرق بيلاي إلى الأوضاع التي تشهدها البحرين يؤكد خطورة الانتهاكات فيها، وخصوصاً حين ذكرّت بيلاي حكومة البحرين بالتزاماتها الدولية، وهذا يعطي مؤشراً على خطورة الوضع الحقوقي في البحرين منذ 14 فبراير/ شباط 2011 حتى هذا اليوم.
- محمد التاجر: تطرق بيلاي إلى الأوضاع في البحرين يعطي انطباعاً واضحاً بعدم وجود فتور في التركيز الدولي على الانتهاكات في البحرين، وإنما الدفع في اتجاه إيجاد حل للأزمة في البحرين ووقف الانتهاكات ومحاسبة الأشخاص المسئولين عن هذه الانتهاكات التي تمت على مدى أكثر من ثلاثين شهراً.
كلمة بيلاي تحمل رسالة مفادها أن استمرار إنكار الحقوق الأساسية التي حددها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لم يعد مقبولاً، وحين تلقي بيلاي كلمتها هذه، ويتبعها توقيع 47 دولة على بيان يدين الانتهاكات في البحرين، ناهيك عن مشروع البرلمان الأوروبي، فإن ذلك يعني أن جهود مؤسسات المجتمع المدني في إيصال الانتهاكات إلى اللجان المعنية في الأمم المتحدة تكللت بالنجاح.
ويمكن القول إن هذه النتيجة التي تحققت جاءت بفضل ما قام به الجيلان الأول والثاني من الحقوقيين على مدى أعوام طويلة، وبشهادة المنظمات الحقوقية وآليات الأمم المتحدة، فإن البحرينيين أوصلوا صورة صحيحة للأوضاع التي تشهدها بلادهم خلال الفترة الماضية.
والواقع أن الخبرة التي راكمها الحقوقيون البحرينيون طوال هذه الفترة أثمرت تضامناً دولياً وفهماً صحيحاً لأوضاع حقوق الإنسان، وأفشلت دور الماكينة الإعلامية الرسمية في إيهام المجتمع الدولي بتغير الأوضاع في البحرين.
ولذلك فإن المرصد البحريني لحقوق الإنسان يثمن تصريح المفوضة السامية وبيان الـ 47 دولة وبيان البرلمان الأوروبي، وكل ذلك يوضح أنه مازال لدى البحرينيين صوت يمكن أن يصل بشكل واضح وصحيح للخارج، وذلك على رغم القيود التي توضع أمامهم، وهذه الجهود تكللت باعتراف دولي بالحق في التغيير ووقف الانتهاكات.
ويجب هنا أن نؤكد أن عملنا الحقوقي وزياراتنا إلى جنيف بعيدة عن توجهاتنا السياسية، وإنما تنطلق من عملنا كحقوقيين، وعلى مدى الأعوام الماضية كوننا علاقات مع المنظمات الدولية، ومكتب المفوضية السامية ومجلس حقوق الإنسان، ولا نرى في ذلك إلا واجباً علينا.
إن دفاعنا عن الحقوق الأساسية التي يفترض أن يحصل عليها كل البحرينيين، لا يعني أننا في خصومة مع الدولة ونشوه سمعتها بهذا الهدف، وإنما الهدف هو وقف هذه الانتهاكات، ولكن ما يؤزم الأوضاع هو عدم اعتراف الطرف الرسمي بوجود الانتهاكات وتغليب الحل الأمني، وهو خطأ يؤدي لانتقادات دولية وبيانات ضد البحرين، وعلى الدولة أن تعي مدى فداحة هذا الخطأ والحاجة لإيقافه.
- الغائب:... إن ما يؤكد الفكرة التي ذهب إليها التاجر، هي تأكيدات إحدى مجموعات العمل للجان التعاقدية بأن البحرين هي ثالث أكثر دولة، بعد المكسيك وإيران، التي تتسلم المفوضية السامية تقارير بشأن الانتهاكات التي تحدث فيها، وهذا يبين حجم حراك المدافعين عن حقوق الإنسان.
- هادي الموسوي: إن تطرق بيلاي إلى البحرين في كلمتها، يؤكد أنها تولي اهتماماً كبيراً إلى البحرين، وأن المعلومات التي تصلها ذات مصداقية ولو لم تكن كذلك لما أبدت قلقها من الانتهاكات في البحرين خلال كلمتها الافتتاحية.
- رولا الصفار: لا شك في أن ما يحدث في البحرين من اعتداءات على الأطباء والعقاب الجماعي باستخدام مسيلات الدموع وغيرها من الانتهاكات، جعلها نموذجاً في هذا المجال من الانتهاكات، وهو ما حدا ببيلاي للتطرق إلى البحرين في كلمتها. ولكن ماذا بعد تطرق بيلاي إلى الأوضاع الحقوقية في البحرين، والبيان الموقع من 47 دولة وبيان البرلمان الأوروبي؟، هل تعولون كثيراً على هذه الخطوات في حلحلة الأزمة الحقوقية على حد تعبيركم؟
- الغائب: يجب التأكيد أولاً أن البيان الموقع من 47 دولة هو الثالث من نوعه، وكان الأول في سبتمبر/ أيلول 2012، حين وقعت عليه 27 دولة، والثاني في فبراير 2013، ووقعت عليه 44 دولة، والأخير وقعت عليه 47 دولة، ولاشك في أن تزايد عدد الموقعين على البيان، مؤشر على تزايد الانتهاكات طوال هذه الفترة.
- الموسوي: أعتقد أن المجتمع الدولي ومجلس حقوق الإنسان، لاحظا أن أكبر عدد من التوصيات صدر عن مجلس حقوق الإنسان في إطار المراجعة الدورية الشاملة كانت إلى البحرين، وهي أصغر دولة في العالم، ولكنها تشهد كماً كبيراً من الانتهاكات.
والواضح أن المجتمع الدولي اكتشف أن الوعود التي تتقدم بها البحرين لا تلتزم بها، وأن الانتهاكات ذاتها تتكرر، ومنع مسيرة يوم الجمعة الماضي (13 سبتمبر/ أيلول 2013)، والتي يعرف عنها مسيرة سلمية، بالتزامن مع ثلاث إدانات لانتهاكات حقوق الإنسان، دليل على أن البحرين بحاجة إلى مثل هذا النوع من الضغط، لأنها لا تعبأ به في حقيقة الأمر، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن يشعر المجتمع الدولي بعدم استجابة البحرين لتوصياته ويستمر في إداناته.
- التاجر: الحكومة لديها مشكلة في أنها بدلاً من الدخول في إصلاحات جذرية على أجهزة إنفاذ القانون فإنها تعطيهم تعليمات تزيد من سوء الانتهاكات، ورأينا حالات واضحة من الانتهاكات في الشارع، وبدلاً من أن ينفذ المسئولون عن ملف حقوق الإنسان في البحرين وعودهم، فإنهم يلجأون إلى التضليل الإعلامي وإلى أساليب غير ناضجة في التعامل مع المجتمع الدولي، سواء فيما يخص التعامل مع ملف حقوق الإنسان أو حتى في الرد الدبلوماسي الصحيح على ملاحظات وطلبات وآليات مجلس حقوق الإنسان ومكتب المفوضية السامية، فهم إما ينكرون أو يمتنعون عن الرد فيما يصدر من انتهاكات، وهذا ليس تصرفاً حكيماً من أفراد مسئولين عن ملف حقوق الإنسان.
كما أن الدولة وعلى رغم أنها أنشأت وزارة حقوق الإنسان والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، إلا أن هاتين الجهتين لم تقوما بأية خطوات حقيقية لوقف الانتهاكات أو منعها أو تحسين الوضع الحقوقي، وإنما كانت مهمتهما الدفاع عن الدولة على رغم إسهامها في الانتهاكات، وهذه ليست طريقة صحيحة في إدارة ملف يضم تراكمات منذ عقود.
وحين نتساءل ماذا بعد، فإنه من المفترض بالحقوقيين في البحرين القيام بدورهم بحسب الآليات المتاحة أمامهم، ومع استمرار النهج الأمني القاسي ضد الأشخاص الذين يطالبون بحقوقهم الأساسية، فإنه ليس لدينا خيار إلا الضغط من أجل تطوير هذه البيانات لاتخاذ إجراءات عملية لوقف الانتهاكات عن طريق مجلس حقوق الإنسان.
وحين تتحدث المفوضة السامية في افتتاح دورة مجلس حقوق الإنسان عن بلد ما، فإن هذا يعني أن الوضع تفاقم إلى أسوأ ما هو عليه قبل عام، وأن البحرين مازالت متأخرة في مواكبة التزاماتها أمام المجلس، وعلى الحكومة أن تعي أن الذهاب إلى مجلس حقوق الإنسان، ليس نزهة يتم فيها تقديم التعهدات ومن ثم التراجع عنها وادعاء تنفيذها بالمخالفة للحقيقة.
ولذلك فإنه في حال عدم تغير الأوضاع وتحسين نظرة الحكومة لحقوق الإنسان والبدء في الاستجابة للمطالبات بإطلاق سراح المعتقلين ووقف المحاكمات، فإننا نخشى أن تُفرض على البحرين حلول من الخارج، لذلك فإننا نطالب بوجود مقرر خاص عن البحرين، أو العودة لتفعيل التعاون مع المفوضية السامية والسماح بإنشاء مكتب لها في البحرين لا يقتصر على تقديم الدعم التقني وإنما للمراقبة والتدخل لوقف الانتهاكات.
- الغائب: يجب التوضيح هنا أن من بين الدول الـ 47 الموقعة على البيان المشترك، 16 دولة أعضاء في مجلس حقوق الإنسان، ووفقاً لآليات مجلس حقوق الإنسان، فإن تصويت ثلث أعضاء المجلس (البالغ عدد أعضائه 47 عضواً) لانعقاد جلسة خاصة تناقش الأوضاع في البحرين، يتطلب 17 صوتاً. وبالتالي فإن دورنا كحقوقيين ومع استمرار الانتهاكات في البلاد، أن نطلب عقد جلسة خاصة للبحرين وتعيين مقرر خاص لها من دون شروط أو قيود.
وما يُستغرب له تصريحات وزير حقوق الإنسان صلاح علي الذي اعتبر أن لا قيمة للبيان المشترك، وإنما هو في واقع الأمر مؤشر على أن الوضع خطير، وأن على الحكومة إيقاف جميع الانتهاكات وإطلاق سراح جميع المعتقلين وتنفيذ التزاماتها وتوصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق.
- الصفار: بدأ الالتفات الدولي إلى الانتهاكات التي حدثت في البحرين خلال العام 2011، حين تم الحكم على الكادر الطبي، ولاشك في أنه في أعقاب ذلك تزايدت الانتهاكات، والتي نتوقع أن تتزايد مع مرور الوقت، وعلينا كناشطين الاستمرار بتوثيقها.
- التاجر: هناك أمر مهم يجب التأكيد عليه، أننا لا نعمل من أجل سوء أو زيادة سواد أو تشويه صورة البحرين، وإنما الأوضاع في البلاد سيئة حتى من دون تدخل منا، وليس هدفنا الوصول إلى إدانة البحرين بقدر وقف الانتهاكات فيها والتعامل بشكل مختلف مع هذا الملف من قبل حكومة البحرين، وتحسين الوضع الحقوقي.
الموسوي: سيبقى الوضع على ما هو عليه، ولن يتمكن المجتمع الدولي الحقوقي أن يغير الواقع مادامت المشكلة السياسية قائمة لأنها المغذية للمشكلة الحقوقية، والمشكلة السياسية تتمثل في التشريعات غير المتوائمة مع القانون الدولي والعهود والاتفاقيات التي التزمت بها البحرين. فقبل أيام صدرت قرارات وقوانين تضيق على الجهات الدبلوماسية والمنظمات الحقوقية الدولية، وهي ليست من المجتمع البحريني، وهو ما يصب باتجاه تقييد الحريات، ناهيك عن إسقاط الجنسيات، واستهداف الأطفال، وهي مسألة يوليها المجتمع الدولي أهمية كبيرة. كل ذلك يجعل من الموقف الدولي حيال البحرين أمراً صعباً لأنه يتعاطى مع الإصرار والتعنت، من دون الوصول إلى حل. تطالبون بوجود مقرر خاص عن البحرين أو بإنشاء مكتب للمفوضية السامية في البحري، فما هي الدول التي مرت بمثل هذه التجارب؟
- التاجر: عدة دول، من بينها رواندا وجنوب إفريقيا وأفغانستان.
ولكن هل يمكن مقارنة هذه الدول بالأوضاع التي تشهدها البحرين؟
- التاجر: في إحدى تصريحاته السابق، وصف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون القساوة في التعامل مع الحقوقيين في البحرين، بتلك التي تجري في رواندا. والكلمة الأخيرة لبيلاي كانت تتحدث عن دول شهدت انتهاكات لم تتوقف، وحين قالت: «يجب ألا ننسى الوضع في البحرين والذي يستمر فيه العنف المفرط ضد المتظاهرين وسجن المدافعين عن حقوق الإنسان»، فإنها قارنت الانتهاكات في البحرين بالانتهاكات ذاتها التي حصلت في دول أخرى، والدول التي انتقدتها المفوضة السامية تتشابه فيها الانتهاكات والوضع الحقوقي فيها إلى تراجع بما يستدعي مثل هذه الإجراءات من المجلس.
- الموسوي: الانتهاكات لأي حق لها حد أدنى أو أقصى، والبحرين بالنسبة للمجتمع الدولي أفضل من أي بلد شهدت انتهاكات أخرى، لأن الخطأ في البحرين بالإمكان إصلاحه، والحديث عن وضع مقرر خاص لرواندا لا يمكن أن يرجع الأشخاص الذين قتلوا هناك، ولكن هل هذا يعني ألا يتم تعيين مقرر خاص إلا إذا حدثت الكوارث؟، فما يحدث في البحرين لا يمنع إعطاء مهمة لمقرر خاص يحقق نجاحاً في مهمته، لأنه يمكن أن يعالج الأوضاع في البحرين، وخصوصاً أن مشكلتنا في البحرين هي سياسية بالدرجة الأولى.
- الصفار: الحكومة انتهكت القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، فكيف يمكن السكوت عن هذه الانتهاكات؟
- الغائب: حقوق الإنسان لا تتجزأ، وتزايد عدد الدول الموقعة على البيانات المشتركة التي تدين الانتهاكات في البحرين، يعني أن هذه الانتهاكات تتفاقم باستمرار، وبالفعل فإن البحرين وصلت لمرحلة متطورة في الانتهاكات، وتعيين مقرر خاص ليرصد ما يجري على الأرض في الواقع البحريني هو أمر ضروري.
- التاجر: هناك دراسة أعددتها بشأن التصديق على معاهدات الأمم المتحدة في دول الخليج، وتبين أن البحرين من أكثر دول الخليج تصديقاً على المعاهدات ورفع التحفظات، ولكنها أكثر دول الخليج انتهاكاً لهذه لمعاهدات.
فالبحرين على سبيل المثال صادقت على اتفاقية التعذيب منذ نحو 15 عاماً، والتقارير التي صدرت عن لجنة الاتفاقية في العام 2005 حين زارت لجنة التعذيب البحرين، ومع ما قرره تقرير لجنة تقصي الحقائق في العام 2011 عن انتهاكات متجذرة يتم التدريب عليها في كيفية الاعتقال والتعذيب، فإن ذلك يعني أن هناك مشكلة حقيقية لا تتوقف، ومن غير المعقول أن دولة صادقت على الاتفاقية تنضم إلى اتفاقيات وتخالفها بشكل جسيم، مع العلم أنه لا توجد صفة إلزام ولا آليات لمراقبة الدولة في تنفيذها، لكن من وقت وآخر بسبب فظاعة الانتهاكات يتم تسليط الضوء على المخالفات من الدولة وهذه لها نتيجة على المدى البعيد.
- الغائب: البحرين قدمت تقريرها الدوري للجنة مناهضة التعذيب في العام 2005 وصدرت عن لجنة الاتفاقية 13 توصية، ولكن لم يتم تنفيذها. بل إن البحرين متأخرة في تقديم جميع التقارير التعاقدية، حتى تقرير الطفل، وكل ذلك يصب باتجاه تدني السجل الحقوقي للبحرين. ولكن في ظل هذه الانتقادات ألا ترون أن الحكومة قامت بعدة خطوات إيجابية على صعيد تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق ومجلس حقوق الإنسان؟
- الموسوي: الحكومة لم تستطع أن تسمي توصية واحدة نفذتها من توصيات مجلس حقوق الإنسان الـ 127، كما أنها التزمت بكل ما هو على الورق المتعلق بالتشريع، كتجريم التعذيب الذي تم تعريفه بطريقة لا تتواءم والاتفاقية الدولية، وبرأت جميع المعذبين من التهم الموجهة إليهم ولم تلاحق معذباً إلى درجة الملاحقة القانونية.
كل ما تم الادعاء بتنفيذه لم ينعكس على الواقع إطلاقاً، والحكومة مازالت تكرر أنها التزمت بتشكيل الأمانة العامة للتظلمات والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وفق مبادئ باريس والوحدة الخاصة بالتحقيق في النيابة العامة وأنها أسقطت التهم المتعلقة بحرية التعبير، وهي كلها أمور لم يكن لها أثر ملموس على أرض الواقع، بل إن الحكومة دائماً ما تدعي أنها عدلت التشريع المتعلق بمنح الطفل من أم بحرينية الجنسية، ولكن مازال الأطفال بغير جنسية، بل إن بحرينيين أسقطت عنهم الجنسية.
ما تدعيه الحكومة بتنفيذ التوصيات هو ادعاء شكلي والجوهر مخالف تماماً لما تدعيه، فكيف تقول إنها تدعم حرية التعبير وتمنع التظاهر؟، وكيف تدعي أن العمل السياسي مكفول وتراقب العاملين سياسياً؟، كما أنها تدعي أنها عوضت الضحايا بينما لم يتم تعويضهم.
- التاجر: تم تعويض 20 فقط من عائلات الضحايا في القضايا التي وثقها تقرير لجنة تقصي الحقائق، والبالغ عددهم 35 ضحية.
كما أن قراءة ردود وزارة حقوق الإنسان على البيانات التي تصدر في الأمم المتحدة عن البحرين أو عن اجتماعاتها مع السفراء في مجلس حقوق الإنسان، تجعلنا نقف مذهولين، لأن الردود عبارة عن حديث إنشائي مكرر عن الإنجازات الشكلية ذاتها التي أنجزتها الدولة، وهي بعيدة كل البعد عن أي رد منطقي للبيانات الصادرة ضد البحرين.
من غير المعقول أن تكون وزارة حقوق الإنسان على حق وتكون كل المنظمات الممنوعة من دخول البحرين كاذبة، وكل الدول التي وقعت على البيان كاذبة.
- الغائب: يجب التأكيد أن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان لم تتشكل ضمن مبادئ باريس، ومفوضية السجون هي مؤسسة حكومية بحتة، وهنا نود التأكيد على ضرورة ألا يتم اقتصار السماح للمفوضية أو المؤسسة بزيارة السجون وأماكن الاحتجاز، وإنما يجب أن يتم السماح للمنظمات الحقوقية المحلية والدولية بهذه الزيارات من دون إذن مسبق.
كما أن ظاهرة الإفلات من العقاب مازالت متفشية، على رغم كونها من أبرز التوصيات الموجهة إلى البحرين من خلال لجنة تقصي الحقائق أو عبر توصيات حنيف، والتي تم التأكيد خلالها على ضرورة محاسبة أي مسئول مهما كان مدنياً أو عسكرياً في حال تورطه بانتهاكات حقوق الإنسان، إلا أنه وحتى الآن لم يتم الحكم على أي مسئول حتى اليوم، صحيح أن الحكومة أعلنت إحالة عدة قضايا للنيابة العامة، إلا أن عليها أن تنشر التهم والرتب العسكرية التي أحيلت للنيابة العامة للتحقيق.
والأمر نفسه يتعلق بإعادة المفصولين إلى وظائفهم بحسب ما ورد في التوصيات، إذ إن من تمت إعادتهم إلى وظائفهم لم يعودوا إلى الرتب ذاتها التي كانوا عليها قبل أن يتم فصلهم. إضافة إلى استمرار التمييز المذهبي في جميع المؤسسات الحكومية.
وقرار إصدار الجنسية مازال سارياً، على رغم أنه لا يجوز إسقاط الجنسية في بيان ينشر في الصحافة، إذ إن ذلك يخالف القوانين المحلية والدولية.
- الصفار: على صعيد التمييز المستمر بصورة فاضحة على رغم التوصيات الموجهة إلى البحرين على هذا الصعيد، فإن المقابلات التي يتم إجراؤها مع الخريجين من الطلبة تتم على أساس طائفي، وهو ما يعتبر انتهاكاً فاضحاً لحقوق الطلبة.
إضافة إلى ما حدث لـ 33 موظفاً في معهد البحرين للتدريب الذين تم نقلهم كفنيي مصادر في وزارة التربية والتعليم من دون وجه حق. وكذلك استمرار اعتقال المعلمين أمام طلبتهم وفي مدارسهم.
- التاجر: يجب ألا ننسى أيضاً العقاب الجماعي بالاستخدام المفرط لمسيلات الدموع، والذي أدى إلى عدة حالات إجهاض، ناهيك عن الحصر المذهبي في مناطق معينة ومنع الامتداد السكاني إليهم، ومنع شراء الأراضي والسكن في مناطق معينة، وأمثلة أخرى كثيرة، كحجب البعثات والحرب الاقتصادية والمقاطعة. كل هذه الأمور حين تتكرر وتصل إلى مرحلة ضد فئة من مكونات الوطن تعتبر تمييزاً فاضحاً وجريمة، وهذه جرائم الدولة تمعن فيها وتبتدع يومياً طرقاً أكثر ضد فئة معينة، وهذه الأمور لا يمكن للمجتمع الدولي أن يبقى غافلاً عنها ولا كحقوقيين أن ننكرها، ولا يمكن الحديث عنها ما لم تكن هناك أدلة. ما هي أسباب تواجدكم في جنيف في الدورة الـ 24 لمجلس حقوق الإنسان؟
- التاجر: تواجدنا في جنيف يأتي استمراراً لتعاوننا مع مجلس حقوق الإنسان وتقديم التقارير الموازية لهم، كما أننا سنعقد اجتماعات مع اللجان التعاقدية والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، والمقررين الخاصين. وبصدد الاجتماع مع مدير المنظمات الدولية في مكتب المفوضية السامية، وكذلك مع مكتب رئيس مجلس حقوق الإنسان، ولدينا عدة فعاليات مقررة بتنظيم من مرصد البحرين لحقوق الإنسان، بالتعاون مع «هيومن رايتس ووتش»، والشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية، ومركز خيام لتأهيل ضحايا التعذيب، والمنظمة الدولية لحرية الأديان، ومنظمة (civicus).
وهذه الفعاليات تتمثل في ندوات بشأن مدى تنفيذ توصيات مجلس حقوق الإنسان ولجنة تقصي الحقائق وكذلك أهم الانتهاكات المستمرة في البحرين.
- الغائب: هناك مداخلات شفوية، ستقدمها منظمات العفو الدولية و «هيومن رايتس ووتش» و «civicus» والشفافية الدولية، الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية ومركز خيام، ستتطرق خلالها إلى البحرين، وذلك باعتبارها منظمات ذات صفة استشارية. ما هي تصوراتكم لحلحلة الأزمة الحقوقية الحالية؟
- الموسوي: مع استمرار عدم وجود معالجة سياسية جذرية للأوضاع، ورفض السلطات الأخذ بالمنهج الديمقراطي، وفي المقابل الإصرار المجتمعي على ضرورة تحقيق هذا النهج على الأرض، ستبقى الانتهاكات والمشهد الحقوقي المتردي وفق هذه المعادلة من دون حل، وخصوصاً أن الوعود المهمة التي تقدمها السلطات من قبيل محاسبة المسئولين وملاحقة المتهمين بارتكاب الجرائم، وعدم استخدام القوة المفرطة، لا يتم تطبيقها إلا بصورة مجتزئة. هناك عدة مواطنين متهمين بالقتل ولكن رجال أمن متهمين بالقتل أيضاً لا تتم محاسبتهم، وهناك قيادة سياسية محاسبة وتقضي أحكاماً بالسجن فلماذا لا تتم محاسبة المسئولين عن الانتهاكات؟
وقضية هدم المساجد لا تتعلق بالسياسة أو الموقف المعارض وإنما هي مسألة عقائدية، وعلى رغم ذلك لم يتم تقديم المسئولين عنها للمحاكمة.
- التاجر: المرصد يلتقي مع كل المطالبات الصادرة عن المجتمع الدولي، وخصوصاً فيما يتعلق بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ووقف المحاكمات والمداهمات والاستخدام المفرط للقوة، والسماح بحرية التعبير وتكوين الجمعيات، ووقف استخدام القانون بشكل تمييزي ضد المعارضين، ووقف سياسة الانتقام من النشطاء الحقوقيين والسياسيين. على الدولة أن تصل لقناعة بأن كل الحقوق التي انتهكتها طوال عقود لم تؤدِ إلى أي تقدم بينما كلفت موازنة الدولة الكثير، والاقتصاد في تراجع، وكذلك خلقت حالة من التململ والضيق لدى كل أبناء الشعب البحريني، وكل ذلك بسبب إنكار الدولة للمطالبات وتغليبها للحل الأمني، في الوقت الذي يتوجب عليها الدخول في حوار شامل ومباشر بين الحكم والمعارضة من دون تعطيل أو مناكفات.
- الغائب: حلحلة الأزمة يتطلب الوصول إلى حل سياسي بين الحكم والمعارضة، ووقف الانتهاكات، والسماح لجميع مؤسسات المجتمع المدني بممارسة نشاطها بكل حرية، والسماح للتجمع السلمي من دون قيود أو شروط، والسماح للمنظمات الدولية بزيارة البحرين، وتشكيل مؤسسة حقوق الإنسان وفقاً لمبادئ باريس، وتنفيذ توصيات تقصي الحقائق، ومحاسبة من انتهكوا حقوق الإنسان في محاكم عادلة وعلنية، ونشر جميع التهم للرأي العام المسموع والمقروء والمرئي، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين من دون استثناء، ووقف اعتقال الأطفال وتوقيفهم وسجنهم لمدد طويلة.