طالبوا بوقف سياسة الإفلات من الـــعــقــــــــاب... وفتح الأبواب أمام «المقرر الخاص» حقوقيون: البحرين لم تقدم تقريرها الـدوري بــشـأن «مناهضة التعذيب» منذ 6 أعوام
الوسط - أماني المسقطي
ذكر حقوقيون أن البحرين لم تقدم تقريرها الدوري للجنة المعنية بمتابعة تنفيذ توصيات الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، منذ ستة أعوام، إذ كان من المفترض أن تقدم تقريرها منذ العام 2007.
وبالتزامن مع ذكرى اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، الذي يصادف يوم الـ26 من يونيو/ حزيران من كل عام، طالب الحقوقيون بوقف سياسة الإفلات من العقاب، وفتح الأبواب أمام المقرر الخاص التابع للأمم المتحدة المعني بالتعذيب خوان مانديس، والذي تم تأجيل زيارته المقررة للبحرين في مايو/ أيار الماضي.
الدرازي: التعذيب
لا يسقط بالتقادم
وفي هذا الصدد، قال نائب رئيس المؤسسة البحرينية لحقوق الإنسان ورئيس لجنة الشكاوى في المؤسسة عبدالله الدرازي: «إن اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، يدعونا للتذكير بأن جريمة التعذيب التي لا تسقط بالتقادم حسب اتفاقية مناهضة التعذيب، باعتبار أن هذه الجريمة تعتبر من أسوأ الجرائم التي تُرتكب ضد الإنسانية، لما لها من آثار نفسية وجسدية».
وأضاف: «قد تزول الآثار الجسدية للتعذيب بعد مرور أسابيع عليها، ولكن الآثار النفسية تظل مع الإنسان طوال حياته، ولذلك خصصت الأمم المتحدة هذا اليوم لتنبيه الحكومات والدول والأفراد والجماعات والمنظمات بأهمية مناهضة التعذيب في جميع المجالات، وخصوصاً أن ممارسة التعذيب تكون أكثر وضوحاً في حالات الاعتقال والقبض وأثناء التحقيق بشكل مباشر بهدف انتزاع الاعترافات المطلوبة».
وتابع: «إن تقديم أي معتقل تبدو عليه آثار التعذيب، يدفع مباشرة للشك في الاتهامات الموجهة له، لأن الشك يحسب دائماً لصالح المتهم، وبالتالي فإن المحاكمة حينها تكون بحاجة إلى إعادة النظر فيها».
وعلى المستوى المحلي، أكد الدرازي أن أفراد قوات الأمن بحاجة لأن يتم إخضاعهم لتدريب متواصل على آلية التعامل في حالات الاعتقال، وأن يكونوا على إلمام تام بخطورة جريمة التعذيب.
كما أشار الدرازي إلى أن البحرين صادقت على اتفاقية مناهضة التعذيب منذ أكثر من 15 عاماً، وهو ما يفرض عليها مسئولية أخلاقية ودولية في احترام بنود هذه الاتفاقية ومحاسبة من يثبت عليهم ممارسة التعذيب، حسب التسلسل في القيادة، منوهاً إلى أن ذلك جاء في إحدى توصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق.
وقال: «إن الدول دائماً ما تسعى لأن يكون سجلها خالياً من التعذيب، ولكن ما نراه على العكس من ذلك، وخصوصاً بالنسبة للدول في منطقتنا العربية التي دائماً ما تتهم بممارسة التعذيب من أجل انتزاع الأدلة والاعترافات بشكل سريع. وبالتالي فإن الدول التي تمارس التعذيب مدعوة بشكل دائم لمراقبة ومتابعة مسئوليها في عدم ممارسة التعذيب على الأشخاص».
وتطرق الدرازي إلى توصيات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف للبحرين، وذلك في إطار المراجعة الدورية الشاملة الثانية لسجلها الحقوقي، والتي كان من بينها الانضمام إلى البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، وهو البروتوكول الذي يقوم على تشكيل آلية وطنية لمنع التعذيب، ومراقبة وزيارات السجون المعلنة وغير المعلنة من قبل اللجنة الفرعية لمنع التعذيب، والتي تقوم بمراقبة والتأكد من أن الدول التي تنضم للبروتوكول الاختياري لا تمارس التعذيب سواء في سجونها أو في مراكز التوقيف، وفقاً للدرازي.
وأكد الدرازي على ضرورة المساءلة ومحاسبة المتورطين بالتعذيب، وقال: «التعذيب لن يتوقف أبداً إذا لم تكن هناك مساءلة حقيقية وجادة لمرتكبي التعذيب وإحالتهم لمحاكمات عادلة، كما نأمل أن ننتقل في البحرين إلى مرحلة العدالة الانتقالية، وهي المرحلة التي يتم فيها طرح الملفات والمساءلة بشكل شفاف، وحينها يكون ضحايا التعذيب هم أصحاب القرار في الصفح والحصول على التعويض المناسب بحسب ما يُتفق عليه في تطبيق مبدأ العدالة الانتقالية».
وواصل: «هناك تجارب ناجحة في تطبيق مبدأ العدالة الانتقالية، وخصوصاً تلك التي حدثت في جنوب إفريقيا وتشيلي والأرجنتين والمغرب، والآن هناك دعوات لتطبيق هذا المبدأ في مصر واليمن وليبيا، وذلك من أجل عدم تكرار عمليات التعذيب وإساءة المعاملة في المستقبل».
وعلى صعيد مؤسسة حقوق الإنسان، أكد الدرازي أن المؤسسة تسلمت شكاوى بادعاءات بعض الأفراد تعرضهم للتعذيب، وأن المؤسسة قامت بدورها بتوثيق هذه القضايا والاتصال بالمسئولين المعنيين بهذا الأمر من أجل معرفة الحقيقة ومدى صحة أو عدم صحة هذه الادعاءات، وقال: «إن تكرار هذه الادعاءات بالتعذيب، مؤشراً على أن التعذيب مازال يمارس، وهذا أمر مؤسف لأننا نتطلع لأن تكون البحرين نموذجاً للديمقراطية وحقوق الإنسان فقط».
وفي السياق نفسه، انتقد الدرازي أيضاً استمرار تأجيل زيارة مقرر الأمم المتحدة المعني بالتعذيب إلى البحرين، على رغم كونها من ضمن التوصيات التي التزمت بها البحرين أمام المجتمع الدولي في المراجعة الدورية الشاملة.
وقال: «زيارة مقرر التعذيب إلى البحرين في غاية الأهمية، لأن هذه الآلية تخضع للإجراءات الخاصة للأمم المتحدة، والتي تمنح لمقرر التعذيب الحرية الكاملة في التحرك، ومقابلة من يشاء من دون أي تدخل مباشر أو غير مباشر من قبل الدولة التي قبلت بزيارته، بالتالي فإن استمرار البحرين بتأجيل زيارة مقرر التعذيب، لا يصب في صالح السمعة الحقوقية لها، لأن التأجيل يسبب لها إحراجاً على المستويات المحلية والإقليمية والدولية».
ودعا الدرازي الحكومة للإسراع بتحديد موعد آخر للمقرر الخاص، قبل نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول 2013، حسب ما نصت عليه التوصية في المراجعة الدورية الشاملة لملف البحرين.
الخور: البحرين لم تنفذ 17 توصية وجهت لها من «لجنة اتفاقية التعذيب» في 2005
ومن جانبه، قال منسق مرصد البحرين لحقوق الإنسان منذر الخور: «كل الشواهد تشير أن هناك تصعيد في عمليات التعذيب الذي لم يتوقف في البحرين، وذلك منذ إطلاق منظمة (هيومن رايتس ووتش) تقريرها بشأن استمرار التعذيب في البحرين في العام 2010، بل إن عمليات التعذيب كانت أكثر وضوحاً وتزايداً مع أحداث العام 2011».
وأضاف: «في الآونة الأخيرة شاهدنا عمليات تعذيب وضرب مبرح حتى في الشارع، وهو ما يعتبر شكل من أشكال التعذيب. فالتعذيب لم يتوقف إطلاقاً، وإنما تعددت أشكاله».
وتابع: «الحكومة وعدت ضمن توصيات جنيف بالتوقيع على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية التعذيب، وهو البروتوكول الذي يقوم على السماح بإجراء زيارات دورية للسجون والتأكد من عدم تعرض المعتقلين للتعذيب، إلا أن تأجيل زيارة مقرر التعذيب يعطي مؤشراَ على أن البحرين لن توقع على البروتوكول لأن زيارة المقرر الخاص تؤدي الغرض ذاته الذي يرمي إليه البروتوكول الاختياري».
وفي إشارته لتأجيل زيارة مقرر التعذيب، رجح الخور أن يكون الهدف من تأجيل الزيارة هو إلغاؤها، وخصوصاً أن مقرر التعذيب خوان مانديس أكد أنه تسلم رسالة الحكومة التي تطلب فيها تأجيل زيارته بشكل مفاجئ في واشنطن، وأن الرسالة لم تتضمن الإشارة إلى موعد آخر للزيارة، وهو ما اعتبره الخور تراجعاً من البحرين عن التزامها بتنفيذ توصيات جنيف.
وقال: «إذا كانت البحرين جادة في تنفيذ توصيات جنيف، فعليها السماح للمقرر الخاص بالزيارة الميدانية المقررة وكتابة تقريره ورفعه إلى مجلس حقوق الإنسان، أما التنصل بذرائع غير مقبولة فهو أمر غير معقول، وهذه الزيارة لن تؤثر لا بشكل أو آخر على مجريات حوار التوافق الوطني، بحسب مبرر الحكومة لتأجيل الزيارة».
كما تطرق الخور إلى عدم التزام الحكومة بتقديم تقريرها الدوري بشأن اتفاقية مناهضة التعذيب منذ نحو 6 أعوام، وقال: «الحكومة قدمت تقريرها بشأن الاتفاقية في العام 2005، وكان من المفترض أن تقدم تقريرها الدوري الثاني في العام 2007، إلا أنها لم تقدمه حتى الآن».
وأضاف: «البحرين لم تلتزم بتنفيذ التوصيات التي قُدمت لها من قبل لجنة متابعة تنفيذ اتفاقية مناهضة التعذيب في العام 2005، والتي تضم 17 توصية، وعليها تنفيذ هذه التوصيات، وخصوصاً أن إحداها أشارت بوضوح إلى أن التقرير المقدم من البحرين لم يتطابق مع الاتفاقية».
وختم الخور حديثه بالقول: «مسلسل التعذيب لم يتوقف وهو مستمر، وهناك تصعيد في عمليات التعذيب التي شاهدناها حتى في الشوارع، والذكرى التي نمر بها اليوم، مناسبة لتراجع الحكومة سياساتها في مجال حقوق الإنسان، وخصوصاً في جريمة التعذيب التي لا تسقط بالتقادم، وفي الوقت نفسه، فإنه لا يمكن أن يتوقف التعذيب مع استمرار تكريس سياسة الإفلات من العقاب أو المساءلة».
الموسوي: 38 ضحية
تعذيب في 8 قضايا
أما رئيس دائرة الرصد في جمعية الوفاق سيدهادي الموسوي، فأكد أن أعداد ضحايا التعذيب بعد صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق، شهدت انخفاضاً بسيطاً، إلا أنها عادت لترتفع في الآونة الأخيرة وبكثرة، معتبراً ذلك مبرراً للحكومة لتأجيل زيارة مقرر التعذيب إلى البلاد.
وأكد الموسوي، أن الجمعية وثقت 38 حالة تعذيب في 8 قضايا، من بينها ثلاث حالات في القضية المعروفة بـ «الخمسة طن»، و10 حالات في قضية «تفجيرات العكر»، و4 حالات في قضية «تفجيرات المنامة»، و7 حالات في القضية المعروفة بـ «جيش الإمام»، إضافة إلى 14 حالة في قضايا مختلفة.
وقال: «لقد بتنا نشهد حالات التعذيب والمعاملة القاسية أثناء القبض على المشاركين في الاحتجاجات، والواضح أنه بات سلوكاً ممنهجاً لا يتوافق واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، التي وقعت عليها البحرين، بل إن التعذيب بات يطال المتظاهرين والأشخاص الذين يمرون في الموقع ولا صلة لهم بالتظاهرات، بغرض العقاب على ممارسة حق التظاهر، أو لأسباب تمييزية ترتبط بالانتماء المذهبي، أو الموقف السياسي المعارض للسلطة، الذي يميز المناطق التي تجري غالباً فيها هذه التظاهرات».
وتابع: «إن هذا مؤشر على أن هناك سلوك موحد في هذا الشأن، مارسته قوات الأمن العام البحرينية منذ فبراير/ شباط 2011، وقت بدء تصاعد الحراك الاحتجاجي في البحرين، وحتى الوقت الحالي، وهذا ما كشفته لنا بعض مقاطع الفيديو التي صورها المتظاهرون أو أشخاص متواجدون في الموقع أو بعض أصحاب البيوت المجاورة، من دون أن يكون رجال الأمن على علم بذلك، ومن ثم قاموا بنشرها على مواقع الإعلام والتواصل الاجتماعي بشبكة الإنترنت».
وأشار الموسوي إلى أن أغلب مقاطع الفيديو التي تثبت وقوع الاعتداءات على المحتجين، تكشف عن مشاركة عدد غير قليل من رجال الأمن، أو في الحد الأدنى بمحضر عدد غير قليل منهم، وأن إجمالي عدد رجال الأمن ممن شارك أو تواجد في الانتهاكات التي رصدتها مقاطع الفيديو، ووثقتها جمعية الوفاق لا يقل عن 174 رجل أمن ظهروا في المقاطع، بحسب تأكيداته.
وقال: «إن هذا الأمر يشير إلى أن الاعتداء على المحتجين هو سلوك مقبول من قبل قوات الأمن، فلا يشاهد أي رجل أمن يعترض بشكل جدي على هذا السلوك، فضلاً عن أنه وفقاً للمعلومات المتوافرة فإن إعلان وزارة الداخلية بأنها ستحقق في الحادثة وستحاسب من تسبب فيها، وذلك بشأن بعض الحوادث المصورة، جاء كرد فعل على نشر مقطع الفيديو على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت من قبل النشطاء».
وأبدى الموسوي استغرابه من استمرار هذا السلوك حتى بعد صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي أشار في الفقرة 1693 إلى أنه قد ثبت للجنة بأنه قد «نفذت قوات الأمن أيضاً عدداً كبيراً جداً من عمليات القبض دون إبراز أوامر القبض أو حتى إخبار الأشخاص المقبوض عليهم بأسباب القبض. وفي حالات كثيرة، لجأت الجهات الأمنية في حكومة البحرين إلى استخدام القوة المفرطة وغير الضرورية مصحوبة بسلوك بث الرعب في نفوس المواطنين، فضلاً عن الإتلاف غير الضروري للممتلكات. وبالتأكيد، فإن وجود مثل هذا النمط المتكرر من السلوك يكشف عن طبيعة التدريب السابق لتلك القوات، وكان متوقعاً منهم تنفيذه».
كما تطرق الموسوي إلى الفقرة 1118 من التقرير، والتي تنص على أنه قد «وجدت اللجنة أن وحدات من قوات الأمن العام لجأت للاستخدام المفرط للقوة في نقاط التفتيش الأمنية التي أقامتها في مختلف الطرق وكثير من المناطق. حيث ضرب أفراد من قوات الأمن العام وركلوا وتحرشوا جسدياً بأفراد اشتبه في مشاركتهم في المظاهرات أو تعاطفهم مع المتظاهرين في الاحتجاجات التي وقعت في البحرين». وتساءل الموسوي عن مبررات استمرار قوات الأمن في استخدام القوة المفرطة أثناء الاعتقال، وخصوصاً مع تأكيدات الحكومة المستمرة بتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق المتعلقة بهذا الجانب. |