البحرين عاصمة التعذيب
السفير لم يكمل 24 ساعة في قبضة المعذبين. اعتقل الشاعر البحريني اليساري سعيد العويناتي، وبعد أقل من يوم جاء خبر وفاته. جثته كانت تحكي قصة السياط وصوت التنكيل ورائحة الزنازين. إنه الثاني عشر من شهر كانون الأول في العام 1976.
هذا التاريخ ليس انطلاقة لردح من التعذيب في البحرين، فالعويناتي لم يكن الضحية الأولى التي تسقط تحت التعذيب، ولا هو الأخيرة. ففي شهر نيسان من العام 2011، سجلت السجون البحرينية رقماً قياسياً جديداً، حيث قتل الجلادون خمسة معتقلين تحت التعذيب خلال شهر واحد. قصة النظام البحريني مع التعذيب طويلة ومثقلة بالقضايا والقصص التي يحملها التاريخ مــــعه شاهـــداً على انتهاكات ضــــد الإنســــانية نقشت على أجساد المعارضين، وباقية في أذهان أبنائهم وذويهــم، بل إنها متجددة مع تسجيل حالات جديدة كل يوم.
السلطات البحرينية استعانت بالخبرات الأجنبية في هذا المجال، فاستقدمت في الستينيات ضابطاً بريطانياً يدعى إيان هندرسون، وعينته رئيساً للاستخبارات ليساهم في قمع الحركة الثورية آنذاك، وما بعدها من حركات، حيث تتلمذ على يده عدد من الضباط البحرينيين والأجانب، وبقي في البلاد حتى وفاته قبل عدة أسابيع.
أسماء المعذبين التي يحفظها الذين تعرضوا للتعذيب عن ظهر قلب، عادة ما تشير إلى أصول عربية قادمة من شمال شبة الجزيرة العربية. إلا أن ذلك لا ينفي أن هناك معذبين بحرينيين أيضاً. وما ميّز العامين الماضيين من التعامل مع المعارضين البحرينيين هو دخول العنصر النسائي على خط التعذيب، فتعرض الكثير من السيدات وكذلك الرجال للتعذيب على أيدي ضابطات يعملن لمصلحة الأجهزة الأمنية البحرينية، إحداهن تنتمي إلى العائلة الحاكمة في البحرين، وتواجه اليوم قضايا مرفوعة ضدها بتهم التعذيب وسوء المعاملة.
منذ عامين، ارتفعت وتيرة التعذيب في سجون البحرين. وتوثيقاً لهذه الشكاوى بالتعذيب، رصد تقرير «اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق» التي رأسها البروفيسور محمود شريف بسيوني «تعرض الكثير من الموقوفين للتعذيب ولأشكالٍ أخرى من الانتهاكات البدنية والنفسية داخل سجنهم، الأمر الذي يدل على وجود أنماط سلوكية معينة تقوم بها بعض الجهات الحكومية، تجاه فئات بعينها من الموقوفين»، مشيرا إلى أن «حجم وطبيعة سوء المعاملة النفسية والبدنية، يدلان على ممارسة متعمدة كانت تستهدف، في بعض الحالات، انتزاع اعترافات وإفادات بالإكراه، بينما تستهدف في حالات أخرى العقاب والانتقام».
كما سرد التقرير بعض الأساليب المستخدمة كـ«تعصيب العينين، وتكبيل اليدين، والإجبــــار على الوقوف لفترات طويلة، والضـــرب المــــبرح، واللكم، والضرب بخراطيم مطــــاطية وأســــلاك كهربائية على القدمين، والضرب بالسياط وقضبان معدنية وخشبية وأشياء أخرى، والصعق بالكهربــــاء، والحــــرمان من النوم، والتــــعريض لدرجـــات حــــرارة شديدة، والاعتداءات اللفظية، والتهـــديد بالاغتصاب، وإهانة الطـــائفة للموقوفــين من الشيعة». وتعهدت السلطات في البحرين تعديل الأوضاع وإيقاف هذه السلوكيات داخل مؤسساتها الرسمية ومن قبل أفراد ينتمون إلى منظومتها، ولهذا الغرض كان من المفترض أن يزور المملكة المقرر الخاص المعني بالتعذيب البروفيسور خوان منديز العام الماضي، لكن زيارته تأجلت من قبل الحكومة وقتذاك إلى أيار الحالي. لكن الحكــومة الحالية سلمته الأسبوع الماضي خطاباً ترفض فيه تأجيل الزيارة مجدداً، وهي إشارة سلبية على إحداث تطوير أو تعديلات في هذا الجانب.
البحرين التـــي وقعت على اتفاقية مناهضة التعذيب، في العــــام 1998، لم تتخــــذ إجراء واحداً ضد أي من مرتكبي هذه الجريمة والتي راح ضحــــيتها العشرات في المعتـــقلات البحرينية على مـــدار السنــــين، الـــيوم يمثــل عـــدد من المتهمين أمــام القضاء، لكن القـــضايا تسوف وتطــــول وتؤجـــل، ولا تحـــقيق للعـــدالة بعـــد. يأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه «جمعية الوفاق الوطني» الإسلامية عن إطلاقها حملة تحت عنوان «البحرين عاصمة التعذيب» في الأسبوع الذي كان من المقرر أن يكون فيه المقرر الخاص بالتعذيب في البحرين لولا منعه. وقال مسؤول دائرة الحريات وحقوق الإنسان في «الوفاق» هادي الموسوي إن «تأجيل زيارة المقرر الخاص للتعذيب التابع للأمم المتحدة إلى البحرين، يشير إلى خشية السلطة من النتائج التي قد يخرج بها هذا المقرر والتي ستدين استمرار التعذيب الممنهج في البحرين، خصوصاً أن الشهر الأخير (نيسان الماضي) شهد أكثر من 300 عملية اعتقال، 34 منهم أطفال، وشكوى عدد كبير منهم من التعرض للتعذيب وسوء المعاملة». |