المؤتمر الصحفي لمنظمة هيومن رايتش ووتش بالبحرين
قاسم حسين ... كاتب بحريني
حين قرأت تصريحات وفد منظمة «هيومن رايتس ووتش» في وقتٍ متأخرٍ من مساء الخميس، كتبت التغريدة التالية على «تويتر»: «هيومن رايتس: كنا شهوداً على العقاب الجماعي للقرى، جهّزوا أنفسكم لمئات المقالات المليئة بالشتائم والاتهامات...»! الخبر نُشر يوم الجمعة، وتداولته وكالات الأنباء العالمية وكبرى الفضائيات العربية والعالمية... ولم يمض أكثر من 24 ساعة حتى بدأت تتحقق النبوءة، متصدّرةً مانشيتات الصحف المحلية أمس: «شعرنا بخيبة الأمل» (ويبدو العنوان «مكسوراً» لغوياً)؛ «هيومن رايتس: غير مهنية بلا أخلاقيات ومنحازة»؛ «هيومن رايتس تفتري... وإعادة النظر مع أي منظمة ذات نظرة أحادية». أمّا التعليق الأخير فيسجّل رد «الداخلية» و «التنمية» و «حقوق الإنسان» على «هيومن رايتس ووتش»: «الادعاءات متناقضة وخادعة ولها أهداف مسبقة». هكذا إذاً بدأ الهجوم على المنظمة الحقوقية الدولية، وسيقرأ الجمهور من اليوم فصاعداً، عشرة مقالات يومياً على الأقل، ولمدة أسبوع على الأقل، كلها تهاجم المنظمة المذكورة. ولن يخرج أيٌّ منها عن دائرة هذه المانشيتات، ولو بفكرة واحدة مبتكرة: غير مهنية، غير أخلاقية، منحازة، تكذب، تفتري، ولها أهداف ومواقف مسبقة! وإذا أراد أحدهم أن يزايد أكثر فسيسبّ الرئيس الأميركي باراك أوباما!
ردة الفعل الغاضبة، وبهذه الصورة الجماعية، تكشف خطأ ما قاله أحدهم مؤخراً من أن الإعلام المحلي حرّ ولا يعمل وفق مزاج الحكومة وتوجيهاتها.
فالمنطقي أن يكون هناك تنوُّعٌ في الآراء والمواقف تجاه أية قضية سياسية أو حقوقية أو اجتماعية، أمّا أن تجتمع كلها على رأي واحد، فهذا يدلّ على وجود خلل جيني في كروموزوماتنا الديمقراطية. للتفاصيل، أفردت هذه الصحف صفحتين للرد على «هيومن رايتس ووتش»، وبعضهم طعّم الهجوم بكاريكاتيرٍ ساذجٍ يصوّرها حصّالةً لجمع الفلوس. والمعروف أنها منظمة أميركية غير حكومية، تأسست في نيويورك العام 1978، ولها فروع في لندن وموسكو وبروكسل (عاصمة الاتحاد الأوروبي). وهي تعتمد على التبرعات الخاصة وترفض تسلم التبرعات الحكومية حفاظاً على استقلاليتها.
هذه المنظمة تهتم بالدفاع عن قضايا حقوق الإنسان، ويشارك فيها محامون وصحافيون وأساتذة جامعات من جنسيات مختلفة. وقد حازت على جائزة نوبل للسلام العام 1997، لمناهضتها استخدام الألغام الأرضية التي تودي بحياة الآلاف سنوياً في بلدان العالم القديم غالباً. وهي تهتم بشئون اللاجئين والسجناء السياسيين وقضايا العدالة الدولية والحريات الأكاديمية والشخصية، وساهمت بجهودها في إنشاء محكمة جرائم الحرب. وهي تصدر تقارير سنوية عن البلدان التي تنتهك حقوق الإنسان، وتهتم بنشرها الصحف العالمية الكبرى المؤثرة على دوائر صنع القرار.
هذه المنظمة إذاً ليست طارئةً على العمل الحقوقي، ولا تحتاج إلى جهات تدافع عنها، فمواقفها الحقوقية كانت واضحةً من قضايا المنطقة، فهي أول من انتقد انتهاكات الجيش الأميركي الفظيعة لحقوق الإنسان في سجن أبوغريب بالعراق (2003)، وهي التي انتقدت «إسرائيل» على جرائمها في حرب غزة (2008) حتى اتهمتها تل أبيب بالانحياز إلى الفلسطينيين. وآخر مواقفها أمس (الأحد) انتقاد حكومة مرسي لغضّها النظر عن الانتهاكات التي ترتكبها الشرطة المصرية بحق المتظاهرين المدنيين في بورسعيد.
يجب الاعتراف بأن وضعنا الحقوقي ضعيفٌ وهشٌّ، وكم تلقينا بسببه من انتقادات من منظمات حقوقية بارزة وعواصم حليفة كبرى. و «هيومن رايتس ووتش»، أحببنا ذلك أم كرهنا، من أقدم المنظمات المعتبرة التي ينصت لها العالم حين تتحدّث، وإعلان الحرب المفتوحة عليها لن يفيد.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3831 - الإثنين 04 مارس 2013م الموافق 21 ربيع الثاني 1434هـ
|