| 
البحرين ونموذج الدولة الأمنية: تداعيات ما بعد 2011 محرر الموقع لم تكن التحولات التي شهدتها البحرين بعد عام 2011 مجرد استجابة ظرفية لموجة الاحتجاجات التي اجتاحت المنطقة، بل كانت محطة فارقة في صياغة نموذج متشابك ومعقد للدولة الأمنية. هذا النموذج لم يقتصر على تعزيز أجهزة الأمن والقمع المباشر فحسب، بل امتد ليشكل منظومة متكاملة تعيد ترتيب العلاقة بين المواطن والدولة، وتعيد تعريف مفهومي الأمن والولاء، وفق سجل طويل من قمع الحقوق والحريات الأساسية. الأسس القانونية والمؤسسية: إطار "التأمين" لم يأتِ بناء الدولة الأمنية في فراغ، بل ارتكز على تشريعات ومؤسسات أعطت له شرعية شكلية. فقوانين مثل "حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية" وقرارات بحل الجمعيات السياسية بالاستفادة من ثغرات قانون الجمعيات السياسية مثل: (جمعية الوفاق الوطني الإسلامية ووعد وأمل) ومصادرة الأموال والمقتنيات، لم تكن إجراءات عقابية فقط، بل كانت أدوات لإعادة هندسة المشهد العام. تحولت هذه القوانين من أدوات لمكافحة الإرهاب –كما يُعلن– إلى أدوات لتجريم المعارضة السلمية وتضييق الحيز العام. كما شهدت المؤسسة العسكرية والأمنية توسعًا غير مسبوق في صلاحياتها وميزانياتها، وأصبحت حاضرة في مفاصل الدولة المدنية، مما أضعف الفصل التقليدي بين المؤسستين العسكرية والمدنية. تأمين المجتمع: من المواطن إلى الرمز في قلب هذا النموذج، تحولت فكرة "الأمن" من مفهوم يرتبط باستقرار المجتمع ككل إلى مفهوم فردي مرتبط بالولاء الشخصي للسلطة. لم يعد "المواطن الآمن" هو الذي يعيش في مجتمع مستقر، بل هو من يثبت ولاءه عبر الصمت أو التأييد. هذا التحول أنتج ما يمكن تسميته "تأمين المجتمع"، حيث أصبح الاشتباه السياسي كافياً لوصم الأفراد والعائلات والمجتمعات بأكملها، مما خلق بيئة من الرقابة الذاتية والخوف. في هذا الإطار، لم تعد الاعتقالات والمحاكمات تستهدف فقط النشطاء، بل أصبحت رسائل موجهة للجميع. إن اعتقال طبيب لمعالجته جرحى، أو محاكمة ناشط بسبب تغريدة، أو فصل موظف بسبب آراء قريبه، كلها إجراءات تهدف إلى تأمين الساحة الاجتماعية من أي "تلوث" فكري معارض وفق تصنيف السلطة، وترسخ فكرة أن ثمن الأمان هو التنازل عن الحق في المعارضة. التداعيات: الدولة الضعيفة القوية يبدو التناقض واضحًا في نتائج هذا النموذج. فمن جهة، نجحت الدولة الأمنية في تحقيق "استقرار" شكلي وقمع أي صوت معارض علني، مما جعلها تبدو "قوية" وغير قابلة للاختراق. ولكن من جهة أخرى، فإن هذا النموذج ينتج دولة "ضعيفة" في جوهرها. فهو يقوض التماسك الاجتماعي، ويوسع هوة الثقة بين فئات الشعب والحكومة، ويقزم المؤسسات المدنية لصالح المؤسسة الأمنية. كما أن الاعتماد شبه الكلي على العمالة الأجنبية في جهاز الأمن، رغم كونه يضمن ولاءً مطلقًا من وجهة نظر السلطة، إلا أنه يكرس انفصامًا بين الأجهزة الأمنية والمجتمع الذي يفترض أن تحميه. الخلاصة: مستقبل غير مؤكد اليوم، تواجه البحرين مفارقة صعبة. فالنموذج الأمني الذي تبنته قد ضمن بقاء السلطة في المدى القصير، لكنه في الوقت ذاته حفر أخاديد عميقة من الاستياء والانقسام ستظل قابلة لاندلاع التوترات في أي لحظة ضعف. لقد ضحت البحرين بجزء كبير من نسيجها الاجتماعي وحيويتها السياسية في مذبح "الأمن"، لكن هذا الأمن نفسه أصبح هشًا لأنه قائم على الخوف وليس على العدالة والمواطنة المتساوية. السؤال الذي يظل معلقًا هو: إلى متى يمكن لهذا النموذج الأمني أن يستمر؟، وكيف ستبدو البحرين عندما تدرك أن القوة الحقيقية للدولة لا تكمن في قدرتها على قمع مواطنيها وانتهاك حرياتهم، بل في قدرتها على احتوائهم. |