في ظهيرة الـ 17 أبريل/نيسان الجاري توالت الشكاوى حول القمع المفاجئ لمجموعة أمنية على المعتقلين المحتجين بمبنى 12 و 13 منذ وفاة ضحية الإهمال الطبي المتعمد عباس مال الله، ولازالت تداعيات الحدث قائمة لغاية لحظة كتابة المقال. وبمراجعة سريعة للمواقف الرسمية الصادرة منذ وقوع هذه الحادثة يلاحظ التالي: الإصرار على فض احتجاج السجناء بقسوة رغم الاهتمام الإعلامي بأوضاع السجون، الذهاب -بسرعة غير معتادة- في الاستعانة بالنيابة العامة ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين من أجل الإيحاء بالالتزام بالإجراءات التقنية التي تراعي مدونة سلوك رجال الشرطة، بيان الإدانة المسبق من المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان والذي استبق بيان إجرائهم للزيارة عبر تغريدة تتهم السجناء بقيامهم بأعمال مخالفة للوائح التنفيذية للمركز. الأكيد هو أنَّها ليست الحالة الأولى التي تشهدها السجون في البحرين من الاضطرابات الداخلية تحت الإدارات المتعاقبة، وهي علامة بارزة في سيرة وزير الداخلية البحريني الشيخ راشد آل خليفة -تولى حقيبة الداخلية منذ 17 سنة- والذي تم مكافأته على انتهاكات وزارة الداخلية بالمرسوم الملكي رقم 34/2017 في تعيين نجله الشيخ عبد الله سفيرا لدى الولايات المتحدة الأمريكية في واشنطن. كما تظهر الحوادث المتتالية بأنَّ إدارة ملف المعتقلين المصابين بكورونا أولا، ومهمة فض احتجاج السجناء في 17 أبريل/نيسان ثانيا، قد أحيل -كالمعتاد- لشخصيات استفزازية، من ذوات السجل السيء في التعامل مع قضايا المعتقلين، نذكر منهم على سبيل المثال: الفريق طارق الحسن رئيس الأمن العام (لا يخلو اسمه في أي مؤتمر صحفي عن الإعلان عن كشف الخلايا الأمنية التي اعتدنا على سماع شكاوى التعذيب من المتهمين فيها)، العميد عبدالسلام يوسف العريفي المدير العام للإدارة العامة للإصلاح والتأهيل (في 12 فبراير/شباط 2017 وقف حاجزا أمام منع عوائل ضحايا القتل خارج إطار القانون من رؤية الجثامين في المقبرة)، النقيبين أحمد العمّادي ومحمد عبدالحميد معروف. أمام حوادث الاضطرابات في داخل السجون الجديدة، تستميت القيادات أو العناصر الأمنية في التصرف وكأنَّهم أعضاء في الحزب الحاكم عبر اللجوء إلى المدونة الافتراضية لقواعد سوء المعاملة، وفي السلوكين المتناقضين (تهدئة الرأي العام، قمع السجناء) كانت السلطات الأمنية تشتغل لتحقيق الأهداف التالية: أولا: في تهدئة الرأي العام 1. التدبير الإعلامي: تسخير مؤسسات الدولة أو المرتبط بها لتبني الرواية الرسمية والتأكيد عليها، مثل: (وزارة الصحة، المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، الأمانة العامة للتظلمات، النيابة العامة ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين، أعضاء بمجلس النواب والشورى، الإعلام الحكومي)، والملاحظ هنا أنَّ كل هذه الجهات تبنت مضمونا واحدا وهو ما تحدث به رئيس الأمن العام طارق الحسن في مؤتمره الصحفي حول ظروف السجن بعد إعلان الإصابات الأولى بكورونا. في قبال كل هذا التسخير ليس كشفا القول بأنَّ الرأي العام المحلي للمعارضة لا يثق بأي رواية رسمية تصدر من هذه الجهات ذات صلة بالأزمة السياسية منذ سنوات طوال، ويلاحظ هنا نبرة الغضب في التعبير عن الموقف الرسمي، من باب المثال: بيان الأمانة العامة للتظلمات استخدم مفردات استياء مثل "ودرءً للبلبة، حملة المعلومات المغلوطة"، وذهبت إلى دعوة الجمهور للاطلاع على تقاريرها الدورية للتعرف على آليات عمل التظلمات. 2. إفراجات محدودة، لم نستطع التعرف على كافة تفاصيلها وما هي نسبة السجناء السياسيين النهائية حتى اللحظة، ولكن بعض الإفراجات اندرجت ضمن قانون العقوبات البديلة وأغلبها قضى ثلاثة أرباع مدة الاحتجاز، وهنا نتسائل: في ظل التأكيد على الحق الأصيل والثابت لسجناء الرأي في نيل الحرية الكاملة وجبر الضرر؛ لماذا يتم استثنائهم من تنفيذ (الإفراج تحت شرط) والذي تم التنصيص عليه في الباب الخامس من قانون الإجراءات الجنائية للسجناء الذين قضوا ثلاثة أرباع المدة بدلا من تقييدهم بالقيود التعسفية للعقوبات البديلة، وهو ينطبق على كثير من السجناء؟. ثانيا: في قمع السخط السجني والشعبي 3. اعتماد التقدير الأمني المعتاد الذي يقرره معتمدي السياسات الأمنية في البحرين في توصيف أي حراك يدعو لحرية السجناء العادلة بأنَّه يحمل أجندة غير وطنية، ويتم لذلك توظيف خطاب الكراهية في الإعلام الحكومي أو منصات التواصل الاجتماعي. 4. التعتيم المتعمد حول حقيقة الأوضاع الصحية للمصابين بفيروس كورونا المستجد كوفيد19، وعدم الكشف عن العدد الإجمالي للمصابين والمخالطين. 5. المتابعة المستمرة لما ينشر من أخبار حول أوضاع السجون، والمسارعة لتكذيب تلك الأخبار بالوسائل المعتادة، والتي منها بيان قد يصدر عن وزارة الداخلية. 6. اعتبار أي احتجاج داخلي بالسجن رغبة بكسر هيبة جهاز الشرطة ويجب مواجهته بفرض أعراف تصحيحة عبر إلزام المعتقلين بالتنازل عن مطالبهم والقبول بالعقوبات المفروضة على الاحتجاج مثل الإحالة للعزل الانفرادي أو المنع من التواصل مع العائلة.
كيف توظف الخبرات السابقة في قمع المعتقلين؟ تظهر العودة للأرشيف الحقوقي بروز اسم النقيب أحمد العمادي منذ سنة 2013 في معاقبة السجناء السياسيين بسجن الحوض الجاف بسبب الاضراب عن الطعام، وبأنَّه كان يتلاعب مزاجيا بعقوبة تحويل السجين للعزل الانفرادي، أو مداهمة الزنازين بعد منتصف الليل بالكلاب البوليسية، في (20 أغسطس/آب 2014) نظم المعتقلون في سجن الحوض الجاف اضرابا عن الطعام تحت شعار أوقفوا التعذيب في السجون، سيكون اسم العمادي حاضرا في بيان المعتقلين الذين يحددون أوصاف الانتهاكات وأسماء المتورطين فيها؛ حيث ورد في بيانهم[1] آنذاك بأنَّ التعذيب مستمر من خلال "ضرب الموقوفين بأساليب مختلفة، إهانتهم، حبسهم لأيام عدة في الغرف ومنعهم من دخول الحمام، التهديد الدائم لهم من قبل الضباط والشرطة، إهانة المذهب الشيعي والقرآن الكريم، إضافة إلى التعذيب والإهانات في السجن الإنفرادي والذي ما زال التعذيب فيه مستمراً على الموقوفين يومياً مع إجبارهم على الوقوف طوال 24 ساعة ولأيام عدة وعدم السماح لهم بدخول الحمام لساعات طويلة منذ شهر رمضان". في 2015 كان سجن "الحوض الجاف" الذي يستخدم للتوقيف الاحتياطي يضمُّ حوالي 700 معتقل سياسي منهم حوالي 200 في عنبر رقم 10 لوحده. في 2015 أيضا كشف أحد الموقوفين في سجن الحوض الجاف بحوار نشرته مرآة البحرين بأنَّ العمادي هو أحد الضباط المكروهين جدا عند حرَّاس السجن بسبب طباعه الحادة.[2] وفي 2017 أيضا توالت شكاوى المعتقلين بسجن الحوض الجاف والتي كان منها الإشارة إلى أنَّ العمادي يهددهم بالعزل الانفرادي إذا طلبوا الذهاب للمستشفى أو تلقي العلاج. في أبريل/نيسان 2021 سيعود اسم العمادي للبروز مجددا بوصفه أحد قادة المجموعة الأمنية التي قادت الاعتداء على السجناء المحتجين بسجن جو المركزي، وعودة هذا الاسم مجددا مثال واضح حول مدى سياسة الإفلات من العقاب التي مكَّنت أمثال هذه العناصر الأمنية ليس فقط في استحداث تقنيات القمع بحق المعتقلين، وإنَّما بالوقوف وراء حادثة ستبقى محط اهتمام الإعلام الدولي والمؤسسات الحقوقية من دون اكتراث لأيِّ إدانات.