حسنًا فعل (حسن موسى شفيعي) في حواره المطوَّل اليوم بجريدة الأيام البحرينية تعقيبا على تدشين التقرير السنوي الثاني لحقوق الإنسان في سفارة البحرين بالمملكة المتحدة؛ لتقريب الصورة أكثر حول سر الاحتفاء الكبير بهذا التقرير والذي تتطلب مشاركة 12 ممثلا عن الجهات الحكومية الرسمية بمن فيهم وزير الخارجية نفسه أثناء فعالية تدشين التقرير.
شفيعي والذي يشغل حاليا منصب (مستشار حقوق الإنسان في السفارة) كشف خلال اللقاء عن وجود توجيه مشدَّد صادر من قبل وزير الخارجية البحريني لكل البعثات الدبلوماسية البحرينية بالاهتمام بالملف الحقوقي؛ والتوجيه هنا لا يمكن أن يكون معناه سوى "انشغال السلك الدبلوماسي بتلميع الإنتهاكات وإنكارها"؛ هذا يعطي مؤشر لأي درجة وصل الحال بالوزارة التي فيها موظفين اثنين من خلفية أمنية معنيين بمتابعة الملف الحقوقي وهما: (عبد الله الدوسري والشيخ عبدالله أحمد آل خليفة) لتكون كل البعثات الدبلوماسية فيها معنية بتقديم جهد ما في الشأن الحقوقي بوصفه أحد الأولويات الأساسية ضمن متابعات وزارة الخارجية.
شفيعي الذي تحدث بإسهاب مطوَّلٍ ومبالغ فيه -مفهوم الغايات- في الإشادة بالفريق الحقوقي الموجود عن السفارة البحرينية في بريطانيا حدَّد لنا أهداف هذا الفريق الذي دفع الاهتمام بوزارة الخارجية إلى تخصيصه للعمل في بعثة دبلوماسية وهي كالتالي: إيصال المعلومات للجهات الرسمية والمنظمات الدولية، والإجابة على الاستفسارات المقدمة للسفارة، تشبيك العلاقات مع الجهات الحقوقية الدولية وتنظيم الفعاليات. أمَّا انشغال هذا الفريق بتوفير المعلومات فهي مهمة طبيعية بسبب منع البحرين للمنظمات الحقوقية الدولية من زيارتها فضلا عن مقرري الأمم المتحدة، وأما الإجابة على الاستفسارات المقدمة للسفارة بصيغ حقوقية ومحاولة إنكار الاتهامات المرتبطة بالانتهاكات بصيغ شبه مهنية، فإنَّ فيها استدراك لما كانت تفشل في سماعه أذن الشيخ فواز آل خليفة عندما كان رئيسا لهيئة شؤون الإعلام في لقائه الشهير مع مارسيل غانم، وأما (تشبيك) العلاقات التي يفاخر شفيعي بامتلاكها مع الجهات الدولية -بسبب كونه معارض سابق- فواضح جدا أثرها من خلال استمرار صدور تقارير الإدانة من المؤسسات الحقوقية الدولية، ومن بريطانيا بالتحديد، أمَّا عن المهمة الرابعة وهي تنظيم الفعاليات والمؤتمرات المراد منها توجيه الأنظار الحقوقية لما يوصفه شفيعي بالتطور الكبير في موضوع الحريات الدينية على سبيل المثال؛ فمن الواضح جدا تأثير تلك الفعاليات الإعلامية التي لا تجد لها انعكاسا سوى في الصحافة الحكومية الرسمية المشتغلة للمناسبة في تلميع صورة الدولة وبث خطابات الكراهية.
أمَّا أكثر ما يثير السخرية في هذا اللقاء هو توصيف "شفيعي" لعدم احترام السلطات الرسمية للحريات الدينية بالكذبة الصرفة، ويستدل على احترام الحكومة لهذه الحريات بخطاب الملك بعد انتهاء ما أسماه "احتفالات" عاشوراء؛ طبعا لست هنا بوارد التذكير بسيرة الانتهاكات الموسمية لعاشوراء والتي منها على سبيل المثال في 2020: (السعي لمنع فتح الحسينيات، ومنع اقامة المواكب العزائية بالقوة وبالتهديد، نزع اليافطات العاشورائية، الاستدعاءات المتتالية للرواديد والمنشدين لمراثي عاشوراء ومسؤولي الحسينيات، إغلاق احدى المساجد وعدة حسينيات والسعي لإغلاق غيرهم، اتصالات التهديد لمسؤولي الحسينيات).
طبعا، فإنَّ شفيعي لم ينسى من تذكير من كان يمتلك معهم علاقات واسعة -بحسب ترويجه- بأنَّ المنظمات الحقوقية الدولية عبر نقدها العلني الحاد لملف البحرين الحقوقي (ولا أظنَّه يستثني أحكام الإعدام وانتزاع الاعترافات بقلع الأظافر أو بالصعق بالأسلاك الكهربائية) هي ترتكب خطيئة كبيرة تؤثر سلبا على مسار التطور الطبيعي لحقوق الإنسان في البلدان المبتدئة في المجال الحقوقي -طبعا هذا يعاكس الرواية الرسمية التي تتحدث عن شعار نسيه الناس بعد فائض الانتهاكات وهي أكذوبة "الإصلاح السياسي"- والأنكى أنَّ شفيعي يحذر بنحو غير مباشر إن لم تتوقفوا عن نقد الانتهاكات بمختلف صورها فقد يؤدي ذلك لانتكاسة قادمة!، ولكم أن تقرأو هذا التحذير بلسان أمني أو دبلوماسي فكلاهما يشتغلان ضمن منهجية واحدة للوزارة التي يديرها شخص من خلفية عسكرية (عبد اللطيف الزياني).
في العموم؛ فإنَّ شفيعي في هذا اللقاء الدعائي لنشاطه في البعثة الدبلوماسية يقول لنا بأنَّ البحرين ستخصص جهدا أكبر في متابعة الملف الحقوقي وتحديدا في ترويج ادعاء احتضان السلطات إلى "التسامح الديني" والتفتيش عمَّا يمكن تسميته إنجازا حقوقيا يمكن أن يمَّن به الطرف الرسمي على المواطنين بدلا من تحسين الوضع الحقوقي جذريا أو الاعتراف بوجود سجناء رأي بدلا من توصيفهم بمتورطين بأعمال مخلة بالأمن. إذا فالخارجية البحرينية ستكثف من حملاتها الدعائية للإنجازات المدعاة في الملف الحقوقي في المرحلة القادمة والتي سيكون من ضمنها مناقشة تقرير البحرين الحقوقي في الاستعراض الدوري الشامل للمرة الثالثة، والتي سيكون من ضمنها مناقشة تقرير البحرين الحقوقي في الاستعراض الدوري الشامل للمرة الثالثة منذ بدء الأزمة في 2011.