كيف نقيِّم حصاد الانتهاك في السجون خلال عقد؟ ورقة مقدمة في ندوة: البحرين.. العشرية السوداء للحقوق غنى رباعي باحثة في منتدى البحرين لحقوق الإنسان تعمّدت السلطات البحرينية على مدى عشر سنوات منذ بداية الأزمة سنة 2011 الإنتقام من المواطنين المعارضين من خلال مختلف أشكال الإنتهاكات التي مارستها بحقّهم والتي كان وما يزال أحد أبرز أوجهها الإنتهاكات التي تحصل في السجون بحق معتقلي الرأي من تفنّن في أساليب تعذيبهم وإساءة معاملتهم بالإضافة إلى حرمان الكثير منهم من العلاج. تبدأ رحلة التعذيب من الساعات الأولى للإعتقال، وذلك في غرف التحقيق التي يُبدع فيها المحقّق بأساليب الإنتقام، من صعق كهربائي وتحرّش جنسي وضرب مبرح، وغيرها ممّا يستنسب المحقّق في ابتكاره. وعلى أساس هذه الممارسات تنتزع إعترافات ملفّقة يُحكم على المعتقلين قضائياً استناداً إليها. على سبيل المثال نذكر حالة ضحيّة الإعدام علي العرب الذي مورست بحقه مختلف أنواع التعذيب، منها أن انتزعت أظافره أثناء التحقيق قبل أن يُجبر وهو معصّب العينين على التوقيع على اعترافات لم يقرأ مضمونها، ثمّ حُكِم عليه بالإعدام ونُفّذ الحكم سنة 2019 على أساس تلك الإعترافات الملفّقة. بعد مرحلة التحقيق تبدأ مرحلة أخرى من رحلة معاناة المعتقل داخل السجون، حيث يواجه ظروف السجن الغير مهيّئة لا للأعداد الهائلة لمعتقلي الرأي الذين هم دائماً بالآلاف منذ سنة 2011 والذين فاق مجموع عددهم ال15000 معتقل رأي وهم يعانون باستمرار من اكتظاظ الزنازين، ولا مهيّئة بالمقوّمات الصحّيّة اللازمة لأي إنسان حيث يكثر انتشار الأمراض فيها بسبب قلّة النظافة والرطوبة العالية وقلّة التعرّض لأشعّة الشمس ممّا سبّب ويسبّب أمراض جلديّة عند عدد كبير من المعتقلين، ثمّ يقابَل ذلك بإهمال تأمين كِلا الوقاية والعلاج من إدارة السجن. كما يتعرّض المعتقلون لأنواع أخرى من الحرمان من العلاج مثل القطع المفاجئ للعلاج عن المعتقلين، قلّة مراعاة حالات ذوي الأمراض الخطرة أو المزمنة، رفض عرض المعتقلين على عيادة السجن أو على أطبّاء مختصّين، إجبار بعض المعتقلين المرضى على تناول أطعمة غير ملائمة لظروفهم الصحّيّة، التسبّب بالأمراض للمعتقلين سواءً الأمراض الجسدية أو النفسية بفعل التعذيب الذي يتعرّضون له داخل السجن أو في مراكز التحقيق أو بسبب الظروف الصحيّة المزرية في السجن أو بسبب تعمّد قطع المياه والتكييف عن المعتقلين. أدّى كل ذلك إلى تدهور حالات الكثير من المعتقلين إلى الحد احتمال الخطر على الحياة أو احتمال الإصابات بإقاعات دائمة. وقد استجدّ في السنة الأخيرة أي 2020 إهمال إتّخاذ التدابير الوقائية اللازمة لمنع إصابة المعتقلين بفيروس كورونا المستجد، وذلك على مستوى إدارات السجون وأفراد عناصر أمن السجون. بالإضافة إلى الحرمان من العلاج، يعاني معتقلي الرأي من أساليب سوء المعاملة المتكرّرة والتي باتت عرفاً وجزءً من حياتهم اليومية مثل الحرمان من الإتصال ومن الزيارات العائلية، أو الحرمان من التعرّض لأشعّة الشمس ومن شراء الحاجيات اللازمة، أو العزل في الزنزانة الإنفرادية، أو الحرمان من ممارسة الشعائر الدينية تحت طائلة المعاقبة الفورية، بالإضافة إلى حملات التفتيش المهينة التي تصادر فيها ممتلكات المعتقلين الخاصّة والضرورية التي اشتروها بأموالهم الخاصّة، بهدف استهداف الحالة المادّية للمعتقلين للضغط عليهم وعلى عائلاتهم التي تقدّم لهم الأموال، وغيرها من الإنتهاكات الفريدة من نوعها. وقد استجدّ في سنة 2020 رفع تكلفة سعر بطاقة الشحن للإتصال بشكل فاحش في سجن جو المركزي إذ باتت تفوق 16 أضعاف السعر السابق في للشهر الواحد، بالإضافة إلى تقليص مدّة المكالمة إلى حوالي الثلث، وتقليص عدد الأرقام الهاتفية التي يستطيع المعتقل التواصل معهم، وذلك في ظل جائحة كورونا التي اسبدلت بسببها الزيارات العائلية بالإتصالات المرئية. ممّا يضاعف الضغط النفسي على المعتقلين ويشير بوضوع إلى عدم وجود نيّة لدى إدارة السجن والجهات الحكومية المسؤولة والمشرفة عليها بالقيام بأي إصلاحات، بل على العكس من ذلك تعبّر هذه الجهات عن إرادة السلطات بالمزيد من الإنتقام بحق معتقلي الرأي. ينتج عن حالات سوء المعاملة في الكثير من الأحيان تصادم بين المعتقلين والقوى الأمنية يؤدّي إلى تعرّض المعتقلين لمختلف أنواع التعذيب مثل الضرب والضرب المبرح رش الرذاذ الحار عليهم وغيرها من أشكال الإنتقام. كان أبرزها في السنة الأخيرة حالة الشيخ زهير عاشور وخمسة معتقلين آخرين معه، الذين تمّ عزلهم عن باقي المعتقلين وكلٌّ على حِدى في المبنى 15 في سجن جو المركزي وتمّ تعذيبهم وحرمانهم من الإتصال، وانقطعت أخبار الشيخ الزهير عاشور لمدة 5 أشهر متتالية مع تخوّف من تصفيته داخل السجن، كل ذلك بسبب مطالبتهم بإحياء الشعائر الدينية قبيل ذكرى عاشوراء واتّهامهم بتحريض باقي المعتقلين على الإضراب عن الطعام. هذا كان اختصاراً لأوضاع السجون لا يعبّر عن حجم الألم والمعاناة التي يعانيها معتقلي الرأي في البحرين. وختاماً، وبعد مرور عقد من الزمن، نستذكر أنّه في مثل هذا اليوم قبل 10 سنوات، شنّت القوى الأمنية بأوامر من السلطة الحاكمة هجومها الغادر الأوّل على المحتجّين المعتصمين في ساحة دوّار اللّؤلؤة في العاصمة المنامة وباغتتهم عند ساعات الفجر الأولى، فقتلت 4 محتجّين وجرحت الكثيرين وأحدثت حالة هلع كبيرة في صفوف المحتشدين السلميّين المطالبين بأبسط حقوق المواطنة، وبذلك عبّرت السلطة عن نظرتها الإنتقامية من الرأي المعارض، وهي وبعد عقد من الزمن لا تزال تقمع المواطنين المعارضين الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة خلافاً لأهواءها وتتفنّن في تطوير أساليب الإنتقام منهم. |