مع اقتراب المشهد السياسي في البحرين من لحظة الاستحقاق الانتخابي، بما يعنيه ذلك من اتاحة الفرص لتوليد مشروع حل سياسي بعيد عن التجاذبات الإقليمية والدولية، نأت السلطة بإرادتها الرسمية عن تهيئة الأجواء لتحسين أرضية التفاوض السياسي، وتبريد الساحة الأمنية؛ من أجل الذهاب إلى تسوية سياسية تاريخية تضع حدا لهذه الأزمة، وتلبي تطلعات الشعب المشروعة، بل أمعنت في تفعيل الخيار الأمني، والاستفادة من نتيجة استيراد الأزمات الإقليمية، واستجلاب التجارب المتقدمة للدول البوليسية والديكتاتورية في مصادرة الحريات.
سيناريو الإنتهاكات والضغوط خلال 3 أشهر تسبق الإنتخابات
ونتيجة لغياب إرادة الإصلاح الجدي، عمدت الحكومة إلى رفع وتيرة الانتهاكات، واستهدفت مؤسسات سياسية معارضة، ومدافعين عن حقوق الإنسان، وعقد محاكمات غير عادلة، والقيام بحملة اعتقالات تعسفية، ماكان حصيلته خلال الثلاثة الأشهر الماضية كالتالي: تحريك السلطات لدعوى قضائية ضد الوفاق ووعد، وأخرى للتجمع الوحدوي، إضافة إلى الحكم بحل المجلس العلمائي، وجرى تسجيل 328 حالة اعتقال تعسفي بينهم 5 حالات نساء، و30 حالة لأطفال جميعهم من الذكور، ورصد 104 حالة تعذيب وإساءة معاملة، كما شهدت مناطق وقرى البحرين 1644 احتجاج تعرض 722 منها للقمع باستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع وذخائر الأسلحة النارية، الأمر الذي تسبب بوقوع 88 جريح جراء استخدام (الشوزن) فضلا عن 36 جريح جراء التعذيب، كما أصدر القضاء البحريني أحكاما بالسجن تصل إلى ما يقارب 3500 سنة في حق 320 متهما في قضايا سياسية، والحكم بإسقاط الجنسية عن 18 مواطنا بحرينيا لأسباب سياسية.
التجنيس السياسي: استثمار البدائل الغير قانونية
وبالانطلاق من المفارقة الغريبة؛ حيث أصبح حق المواطنة الكاملة من الحقوق التي يجري مسها واللعب بها بمنطق "المكرمات والهبات"؛ حيث يجرد المواطنون من جنسياتهم بسبب ممارستهم لحق التعبير عن الرأي، وتمنح لآخرين بشكل غير قانوني لأغراض سياسية وطائفية، سأسلط الضوء سريعا على مسار التجنيس السياسي في البحرين، وآثاره الكارثية الآنية والمستقبلية. ويعرف التجنيس السياسي بأنه التجنيس الذي يتم لتحقيق أهداف سياسية قصيرة وبعيدة المدى تخدم النظام الذي يقوم بهذا الفعل، إما بهدف تغيير ديمغرافي أو بتغيير واقع سياسي معين يقدم خدماته لنظام البلاد أو لترتيبات إقليمية معينة. ونحن في المبدأ لا نقف ضد التجنيس الذي يتم وفق الأصول القانونية الأصيلة المتوائمة مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، بل المعارضة هي لعملية التجنيس المخالفة للقانون البحريني وللقانون الدولي، وللمخاطر الكبيرة للتجنيس السياسي على حاضر ومستقبل البحرين؛ خصوصا وأنه تحول من كونه مشروع إلى واقع سياسي أسس إلى تهديد السلم الأهلي وزعزعة الاستقرار الاجتماعي.
17% نسبة نجاح السلطة في تغيير التركيبة الديمغرافية للسكان
ومن خلال دراسة تمت للأرقام التي يكشفها النظام الرسمي، وصلنا إلى النتيجة التالية لتعداد المجنسين: 95,372 ألف أجنبي، ما نسبته 17,3% من عدد السكان، ما يعني أن السلطة نجحت خلال العشر سنوات الماضية بعد مرحلة الميثاق العمل الوطني والبدء بالتجربة البرلمانية الجديدة من انجاز نجاح بنسبة 17% في تغيير التركيبة الديمغرافية للسكان، واستمرار هذه العملية سيحول البحرينيين (سنة وشيعة) بعد عشر سنوات إلى أقلية في البلاد، ونحن نستند على الدراسات المبنية على الإحصاءات الرسمية، مع لحاظ بأن الجهاز المركزي للمعلومات لا يكشف الأرقام الصحيحة، فضلا عن أننا نتحدث عن تسارع وتيرة التجنيس بشكل أسرع مما تنبئ به إبراهيم شريف (أمين عام وعد السابق ومعتقل الرأي) في 2010 عندما أثارت تصريحاته ضجة رسمية ولدى الرأي العام، حيث قال: لدينا نحو 9 إلى 10 آلاف مجنس في العام بحسب الإحصاءات الحكومية، مايعني بلغ عددهم 60 ألف بين 2001 و2007 خلال 6 سنوات، فإذا قلنا بأنه لدينا 9 إلى 10 آلاف مجنس كل سنويا منذ 2001، فإنه بحلول 2030 سيكون لدينا مع تزاوج هؤلاء المجنسين وانجابهم أبناء بمعدل 3% في السنة كزيادة طبيعية، سيكون عدد من تم تجنيسهم نحو نصف مليون نسمة بحلول العام 2030 في حال استمرت عملية التجنيس السياسي. ولابد من الإشارة إلى أنّ أغلب عمليات التجنيس تستهدف تجنيد هؤلاء ضمن القطاع الأمني؛ وبحسب تقرير معهد السلام والاقتصاد سنة 2013 إنالبحرين سجّلت معدّلا شاذا واستثنائيا في نسبة أعداد الشرطة إلى عدد السكّان، لتكون الأعلى في العالم دون منازع، حيث بلغ مؤشرها هذا 6 أضعاف المتوسّط العالمي. وهذا أيضا من صور غياب العدالة عندما يوفر لهؤلاء المجنسين وظائف في الدولة في الأجهزة الأمنية والعسكرية، ويتم منحهم مع أبنائهم تسهيلات في الدولة كحق السكن والإنتخاب والصحة وغيرها على حساب المواطنين، وقبالة هذا يمنع المواطنين الشيعة من العمل في المؤسسات العسكرية بحجة انتفاء عنصر الولاء.
الهوية الوطنية في 2040: السكان الأصليون سنة وشيعة سيصبحون أقلية
وبلحاظ التجنيس السياسي القائم على عدم استقطاب الكفاءات، وإنما استقطاب جماعات متعددة الأعراق والإثنييات بشكل طائفي فنحن أمام جريمة "إبادة جماعية للسكان الأصليين"، ستصيب الهوية الوطنية وفق المبدأ الدستوري بمقتل، وبدلا من أن تكون البحرين دولة مواطنة ستتحول إلى دولة طائفية، فضلا عن كونها الآن تتنافس مع تجارب التمييز لإبراز أنموذجها عمليا على أنها الدولة المشهورة بالتمييز الطائفي، ماسيضعها في 2040 إذا استمرت ثلاثية الانتهاكات: ارتفاع وتيرة التجنيس السياسي، وتكريس الاضطهاد الطائفي وتغول الدولة البوليسية، سيضعها ذلك بموقع موازي باختلاف الحيثيات والظروف مع تجربة جنوب أفريقيا عندما اشتهرت بالتمييز العرقي، وهنا التمييز طائفي. وبالحديث هنا عن أحد عناوين الأزمة البحرينية المتمثل في مطلب المعارضة (نظام انتخابي عادل يتضمن دوائر انتخابية عادلة تحقق المساواة بين المواطنين والمبدأ العالمي في الانتخابات "صوت لكل مواطن"، ورؤيتها للحل المتمثلة في أن تكون البحرين دائرة انتخابية واحدة، أو خمس دوائر انتخابية يتساوى فيها المواطنون، فمع التقسيم الطائفي الجديد للدوائر الذي ألغى محافظة كاملة، وسيناريو مستقبل التغيير الديمغرافي: عن أي دوائر انتخابية عادلة سنتحدث في البحرين لحظة التسوية؟!، لقد أصبح تأثير المجنسين حاليا وفق التوزيع الجديد للدوائر على نتائج الانتخابات ما بين 30 – 40%. إنَّ البحرين في الترتيب الرابع على مستوى القارة الآسيوية من حيث الكثافة السكاني حيث بلغت 915 نسمة للكليومتر الواحد في عام 2001، ومع عمليات التجنيس فالرقم ارتفع بالتأكيد، فضلا عن أن معدل النمو الطبيعي للسكان لا يصل إلى الضعف إلا خلال كل 30 سنة في الدول النامية، و50 سنة في الدول المتقدمة، والبحرين تنقض هذا المعيار الدولي، الأمر الذي سيتسبب بآثار وتداعيات كارثية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي؛ فكيف تذهب لتحقيق تنمية مستدامة وهنالك ازياد مضطرد وغير طبيعي لعدد السكان؟، وأمام مشروع التجنيس السياسي فضلا عن السياسيات الأمنية فقد سقطت الرؤية الاقتصادية لعام 2030، وهذا مافضحه تقرير مثير صادرعن صندوق النقد الدولي تحدث عن فشل الحكومة البحرينية في إدارة الملف الاقتصادي، مايعني بأن البحرين تتجه إلى أن تكون دولة "شبه مفلسة" على غرار النموذج اليوناني.
التجنيس السياسي يهدد الأمن الإقليمي وهو الورقة المدمرة للإنتخابات المتتالية دون حل الأزمة
وأمام هذا السيناريو الكارثي لعملية التجنيس السياسي، وتداعياته حتى على صعيد الأمن الإقليمي لدول الخليج لأنّ بعضا ممن تحصلوا على الجنسية يحملون أفكارا خطيرة جدا، وهنالك من ذهب ليلتحق بالجماعات التكفيرية في سورية والعراق بالاستفادة من الجنسية والجواز البحريني، وبناءا على ذلك: اليوم ستساهم هذه الفئة في تزوير جزئي للإرادة الشعبية في الانتخابات المقبلة، فضلا عن أنها ستكون ممثلة في المجالس النيابية الفاقدة للصلاحيات في المراحل القادمة، وعندما تساهم الآن فلإنّ الدولة تريد أن تتخطى حرج انحسار مد المشاركة الشعبية في الانتخابات، فضلا عن أنّها استغلت رقم 95 ألف مجنس لإدخالهم في عدد من الدوائر الانتخابية للمعارضة من خلال المشاريع الإسكانية، وقامت بتذويب نحو 32 ألف صوت للمعارضة في دوائر الموالاة حتى لا تستفيد منها لا في عملية المقاطعة ولا المشاركة، ومن ضمن آليات تذويب المجنسين هو إيجاد كانتونات خاصة بالمجنسين بحيث أصبح لهم مناطق خاصة بهم، ويوفر لهم السكن والمدارس والخدمات ومن أمثلة ذلك منطقة سافرة جنوب منطقة الرفاع التابعة لدائرة الحكم، منطقة خاصة يسكنها المجنسين من باكستان وبلوشستان واليمن، أما السوريين من دير الزول فيتم تذويبهم في منطقة مدينة حمد والبسيتين والرفاع الشرقي، وكذلك تستخدم السلطة "مزدوجي الجنسية" من أجل اللعب في الصندوق الإنتخابي، وهذا في نهاية المطاف يؤثر على صورة العدالة في البحرين في شقها المتعلق بالنظام الإنتخابي والتمييز بين المواطنين.
|