نظّم منتدى البحرين لحقوق الإنسان ندوةً حقوقية على هامش الدورة 49 لمجلس حقوق الإنسان، تحت عنوان "البحرين: مذكرة التفاهم مع المفوضية السامية والخطة الوطنية لحقوق الإنسان". الإعلامي والناشط السياسي أحمد المتغوي أعرب في الكلمة الافتتاحية عن تأزم الواقع الحقوقي في البحرين على كافة الصعد، حيث يعاني السجناء السياسيين من انتهاكات صارخة تؤكد بأن السلطة لا تحترم التزاماتها الدولية، والذي يكشفه التقارير وشهادات الضحايا دوريً
في شهاداته، تحدث الناشط التربوي الأستاذ علي مهنا عن الحكم التعسفي على ابنه بالسجن المؤبد في قضية ملفقة، بنيت على اعترافات انتزعت تحت وطأة التعذيب. وأردف: "معاملة السجناء السياسيين سيئة وقاسية جدًا، وقد عاينت ذلك أثناء اعتقالي في ٢٠١٧ التفتيش المهين والتقييد غير المبرر، خاصةً خلال شهر رمضان، يعاني السجناء السياسيون من اضطرابات صحية مختلفة وتسمم بسب سوء التخزين، وتنتشر الحشرات والقوارض، وينعدم ضوء الشمس والبنية التحتية الملائمة خاصةً تلك المتعلقة بالماء والتكييف. وكشف مهنا بأن سلطات السجن لا تعالج الصيانات الضرورية خاصة المكيفات حيث تتجاهل تلك الطلبات، وتهين سجناء الرأي الذين تقتظ ما يساعد على انتشار الامراض المعدية، وتعاقبهم بشكل جماعي وتعسفي وانتقامي كالحبس في الزنازين ومنع الاتصال. مهنا تحدث عن الحرمان من العلاج كما حدث في حالتي الضحايا عباس مال الله وحسين بركات، وصرّح بأنه طالب التظلمات مرارًا بعلاج ابنه لكنها لم تستجب. وأضاف: "لا يزال السجناء يعانون من الحرمان التعسفي من ممارسة شعائرهم الدينية وتتم مصادرة 'الترب الحسينية' و 'مفاتيح الجنان'."
من جهته، نفى جواد فيروز، رئيس منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان، بأن تسهم مذكرة التفاهم المزمع تدشينها في معالحة الوضع الحقوقي في ظلّ عدة هواجس ومنها غياب الإرادة السياسية بشأن تبني إصلاح حقوقي شامل. ولفت فيروز إلى أن حكومة البحرين لم تلتزم بالتوصيات الأممية المتكررة حيث تتصاعد احكام الاعدام واسقاط الجنسية والتعذيب والتشريعات التي تحظر الحق السياسي وتطبيق قانون العزل السياسي وتقييد المعارضة. وأفاد فيروز بأن الجمعيات الحقوقية تجمع على ضرورة اصلاح الحالة الحقوقية ولكنها تؤكد على عدم التسرع في توقيع هذه المذكرة دون أي ضمانات، لافتًا إلى أن توقيت المذكرة على أعتاب الإنتخابات والاستعراض الدوري الشامل خطوة تسعى من خلالها حكومة البحرين إلى تحسين صورته وتابع: "لذا لا بد من النظر في احكام الاعدام واسقاط الجنسية وقضايا قادة المعارضة وتغيير السلوك القمعي قبل توقيع المذكرة. فلا وجود لبرنامج حقوقي إصلاحي شامل في البحرين ولا بوادر لتحسن الواقع الحقوقي في ظلّ القيود المفروضة على الحريات من التعبير إلى الصحافة آلى التشريع إلى الرقابة، والوضع المعيشي للبحرينيين نحو الأسوء. وختم فيروز مشددًا على أن خريطة الاصلاح الحقوقي تحتاج ارادة سياسية جادة وحقيقية وشاملة وملموسة تضمن سيادة الدولة واستقلالية مؤسساته
وشارك المعارض السياسي فاضل عباس معربًا عن خشيته من أن تتحول المذكرة لدعاية سياسية لصالح حكومة البحرين، حيث أنه هناك العديد من الملفات الحقوقية العالقة والتي تحتاج معالجة، والقمع متصاعد وتقييد شامل للحريات وقانون العزل السياسي يُغيب المعارضة بشكل واضح عن الساحة. فاضل عباس نبّه إلى أن العدالة الانتقالية منقوصة والاعتقالات والاستدعاءات لم تتوقف، ولا يوجد أي حوار بين السلطة والمعارضة، وتابع: "توقيع المذكرة بلا ضمانات ستضر الوضع السياسي والحقوقي وستتحول إلى وسيلة دعائية للحكومة، وستشكل 'انتكاسة' حقوقية في البلاد".
من جهته، أكد رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان باقر درويش على أن الرغبة في تنظيم العلاقة مع آليات الأمم المتحدة من الأهداف الأساسية للمواطنين، لكن ثمة هواجس من توقيع هذه المذكرة، في ظلّ حرص السلطة على تقويض عمل المجتمع المدني إلى درجة تحوله الى 'فوبيا' دفعت الحكومة للانتقام من عمل الحقوقيين وملاحقتهم ومنعهم من السفر لحرمانهم من الاستفادة من آليات الأمم المتحدة المختلفة. ولفت درويش إلى أن السلطة شنت حملات تشويش وتشويه ممنهج لغلق القضاء الديمقراطي ومحاصرة المجتمع المدني الرقابي ايمانًا منها بدوره في الحدّ من الانتهاكات في ظلّ دولة أمنية تنهاض كل رأي يخالفها وتجرم كل جمعية مدنية لا تتماشى مع سياستها الأمنية. وأردف درويش: "مذكرة التفاهم أو الخطة الوطنية في شكليهما الحالي لا يضمنان معالجة الوضع الراهن وهما اجراءان أحاديان لم تأخذ فيهما السلطة رأي المجتمع المدني المستقل الذي أقصته بشكل واضح ما يؤكد بأنها لا تلتزم بوعودها فهي لم تتخذ اي تدابير ثقة جدية". درويش أوضح بأن منشأ الأزمة الحقوقية هي الأزمة السياسية الدستورية، وقال بأن معالجة التداعيات من خلال تقويض الحقوق كخيار 'العقوبات البديلة' يعني استمرار الانتقام من الحقوقيين وملاحقتهم واستمرار سياسة الافلات من العقاب والتجسس وغياب الشفافية. وفي ختام مداخلته استنكر درويش أن يكون صلة الوصل لهذا التعاون بين المفوضية والسلطة شخصية أمنية استفزازية مرتبطة بانتهاكات حقوقية، مضيفًا بأن ذلك "مؤشر حول عدم جدية السلطة، التي ستوظف هذه المذكرة في التلميع، لذا لا بد من ضمانات مكتوبة وغير مشروطة وكذلك نشر مسودة الاتفاقية علنً
عبد الله الدرازي، النائب السابق لرئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، أشاد بالخطوة، فأجمع المداخلون على أن هذا الأمل ما دام غير مصحوب بخطوات جدية فإنه يعني استمرار الانتهاكات.
أما رئيسة الرصد في منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان ابتسام الصايغ فقد أكدت أن المجتمع الحقوقي في البحرين على ثقة بنوايا المفوضية، لكنه يخشى من أن تستخدم السلطة هذه المذكرة لقوننة القمع وافلات الجناة. وأردفت: "لذا نأمل أن تكون المذكرة بادرة أمل ولكن العزل السياسي والاعتقالات التعسفية والاهمال الطبي مستمر، لا بد من الغاء احكام الاعدام والافراج عن السجناء السياسيين سيما الاطفال. ما نطمح له هو التغيير الملموس والجدية ومحاسبة الجناة وانصاف الضحايا كما يوصي تقرير بسيوني، ففي كل منزل من منازل البحرين ضحية من ضحايا القمع وغياب العدالة بسبب مطالبة هؤلاء بحقوق مشروع".
يذكر بأن وزير الخارجية عبداللطيف الزياني، والمنسق المقيم لأنشطة الأمم المتحدة بالإنابة رئيس بعثة منظمة الهجرة الدولية لدى مملكة البحرين محمد الزرقاني، وقعا إعلان النوايا الخاص بالخطة الوطنية لحقوق الإنسان لمملكة البحرين للأعوام 2022 - 2026، في خبر أوردته وكالة الأنباء البحرينية في أغسطس الماضي "تأكيدًا للتعاون بين مملكة البحرين والأمم المتحدة في مختلف المجالات"، بحسب الوكالة.
وفي أكتوبر الماضي، وافق مجلس الوزراء على مذكرة اللجنة الوزارية للشؤون القانونية والتشريعية بخصوص مذكرة التفاهم حول التعاون بين البحرين ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، سبقه خطاب حقوقي تحدث عن "السجون المفتوحة والعقوبات البديلة"، وتزامن مع تعيين عبدالله الدوسري رئيسًا للبعثة الدبلوماسية للبحرين لدى بلجيكا بلقب سفير فوق العادة مفوّض. الدوسري كان مساعد وزير الخارجية والمعني بإدارة شؤون حقوق الإنسان لمدة 25 سنة، واتسمت إدارته للملف الحقوقي بالطابع الأمني.