وفق تعريف الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي التابع للأمم المتحدة؛ يعد الاختفاء قسرياً في حال حرمان الشخص من الحرية بخلاف إرادته، أو في حالة ضلوع مسؤولين حكوميين على الأقل بالقبول الضمني لهذا الاختفاء؛ وكذلك رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده.
وتحرم القوانين البحرينية والمواثيق الدولية الاختفاء القسري، إذ تنص المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الفقرة الثانية منها على أنه "يتوجب إبلاغ أي شخص يتم توقيفه بأسباب هذا التوقيف لدى وقوعه كما يتوجب إبلاغه سريعاً بأية تهمة توجه إليه".
كما ينص قانون الإجراءات الجنائية المادة 61 على أنه: "لا يجوز القبض على أي إنسان أو حبسه إلا بأمر من السلطات المختصة بذلك قانوناً، كما يجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان، ولا يجوز إيذاؤه بدنياً أو معنوياً، ويواجه كل من يقبض عليه بأسباب القبض عليه، ويكون له حق الاتصال بمن يرى من ذويه لإبلاغهم بما حدث والاستعانة بمحام".
هذا فضلاً عن مواد قانونية أخرى تحرم الاختفاء القسري وتعطي الحق للمحتجز الاتصال بأهله وبمحاميه، وهو ما لا تلتزم به الحكومة البحرينية في حالات كثيرة، وقد تزايدت حالات الاختفاء القسري في البحرين بطريقة متطابقة مع ما قرره الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري، حيث يتسبب بالقلق للضحية ولأهله وذويه؛ خاصة بعد تشديد الإجراءات الأمنية، وتوظيف قانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية بحق الكثيرين.
حالات الاختفاء القسري
فضلاً عن بعض الحالات التي تمت الإشارة إليها في موضوع تسلسل الحوادث للعام 2016 والتي يمكن اعتبار بعضها اختفاءً قسرياً؛ نشير الى الحالات الآتية:
السيد علوي حسين الموسوي (43 سنة) يعمل السيد علوي مهندس اتصالات لدى شركة بتلكو، وتتمثل طبيعة عمله في المتابعة المباشرة للأعطال في الشبكة والإشراف على إصلاحها في موقع العمل.
في يوم الاثنين 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 ذهب السيد علوي للعمل كعادته في الساعة 5:00 صباحًا، وفي اليوم نفسه ذهب لمتابعة أحد الأعطال لكابلات الشركة حيث استدعى ذلك تواجده في موقع العطل لما بعد انتهاء وقت عمله الذي ينتهي الواحدة ظهرًا، وعليه أجرى اتصالاً مع زوجته في الساعة 3:00 بعد الظهر ليخبرها بأنه سوف يتأخر وذلك لمتابعة مهمته في العمل.
وأثناء تواجده في موقع العمل لذلك اليوم في منطقة قلالي في حديقة قديمة بجانب المطار ملغية لصالح مشروع جديد، وفي أثناء الاجتماع مع مهندسي ومديري المقاولين المتعاقد معهم في الموقع المذكور تم تطويق المنطقة المحيطة بموقع العمل بـ 8 سيارات وقام 4 أشخاص من العناصر الأمنية المدنية وهم مسلحون بدهم غرفة الاجتماع في حوالي الساعة 4 عصرًا وقاموا بمحاصرته وسحب تلفونه النقال والجهاز اللوحي (آيباد) اللذين تعود ملكيتهما للشركة وتم إطفاء أجهزته واقتياده بطريقة مهينة إلى جهة مجهولة، حيث قام أحد العناصر الأمنية المدنية بلبس (قفازات) وأخذ سيارة الشركة (بتلكو) إلى جهة مجهولة أيضًا، كما تفاجأ زملاؤه في العمل صباح اليوم التالي 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 بعدم وجود الكمبيوتر الخاص بمكتبه في مبنى شركة بتلكو في الهملة.
في يوم الإثنين 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 حاول أهله الاتصال به مرارًا، إلا أن جهازه كان مغلقاً، عندها توجهت العائلة لمركز شرطة البديع لتقديم بلاغ باختفائه، وقام موظفو المركز بالاتصال بجميع جهات التوقيف في وزارة الداخلية والاتصال بالمستشفيات وبالمنافذ، والذين أكدوا جمعياً عدم وجوده لديهم، وعليه تم تثبيت محضر بلاغ اختفاء السيد علوي تحت رقم 5610/2016.
بعد قرابة نصف ساعة إلى 45 دقيقة استلمت زوجته اتصالاً من مركز شرطة البديع يفيد بأن السيد علوي موجود في مكتب التحقيقات الجنائية بمنطقة العدلية وعليه طلبوا من زوجته الحضور للمركز لكي تلغي بلاغ الاختفاء، ومنذ ذلك الحين لم يتصل السيد علوي لأهله، وفي يوم الثلاثاء 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 ذهب الأهل للتحقيقات للسؤال عن السيد علوي وتسليمهم ملابس له، إلا أن موظفي المكتب لم يفصحوا عن وجوده من عدمه ولكن بعد تعطيلهم لقرابة ساعة ونصف تسلموا الملابس منهم من دون أي خبر.
وفي يوم الخميس 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 في حدود الساعة 6:00 مساء تسلمت زوجة السيد علوي اتصالاً من مكتب التحقيقات يخبرها بأنه تم نقله لسجن الحوض الجاف، وعليه يجب عليها أن تقوم باستلام ملابسه التي تم إيداعها في يوم الثلاثاء من مكتب التحقيقات وإرسالها لسجن الحوض الجاف يوم الأحد 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، وذهب الأهل لمكتب التحقيقات الذين رفضوا في بادئ الأمر تسليم الأهل الملابس نافين وجود السيد علوي في سجن الحوض الجاف، وقاموا بتسليمها لهم بعد إصرار.
قام الأهل بالاتصال بالأمانة العامة للتظلمات والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان لمرات عديدة، وبعد محاولات جاء رد الأمانة العامة للتظلمات بعدم وجود معلومات عنه، فيما قالت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان إنه موجود في سجن الحوض الجاف للحبس الاحتياطي؛ إلا أنه في الأحد 27 نوفمبر/ تشرين الثاني، اتصل بعائلته وأفاد في اتصال قصير بوجوده في مبنى التحقيقات الجنائية، ما ينفي التصريحات التي أدلت بها المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وقالت العائلة إن الاتصال القصير الذي أجراه الموسوي أظهر أنه منهك من شدة التعذيب الذي يعتقد أنه تعرض له منذ اعتقاله، مبدية قلقها الشديد على سلامته، وقد انقطعت أخباره مرة أخرى بعد هذا الاتصال، ما يعد احتجازه اختفاءً قسرياً.
علي حسن المخوضر اعتقلته قوات الأمن في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، بعد دهم منزله واقتادته إلى مبنى التحقيقات الجنائية، وانقطعت أخباره لأيام، إذ لم يتم عرضه على النيابة العامة أو الجهات القضائية ولم يُمكّن من الاتصال بمحاميه أو بعائلته، وهو ما يمكن توصيفه بأنه اختفاء قسري.
وقد طالب المركز الدولي لدعم الحقوق والحريات عضو تحالف المحكمة الجنائية الدولية السلطات البحرينية في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني، بكشف مصير الشاب علي حسن المخوضر، وأشار إلى انقطاع أخباره عن أسرته ومحاميه منذ اعتقاله، ولم يتمكن سوى من اتصال مقتضب منه لذويه "أفاد فيه بوجوده بالتحقيقات الجنائية وهو يخضع الآن لولاية رجال الأمن بدون رقابة قضائية".
حسن جعفر علي، العمر 18 سنة تم توقيفه في منطقة بني جمرة يوم الأحد 21 فبراير/ شباط 2016، تلقت أسرته اتصالين منه؛ الاتصال الأول في يوم توقيفه أخبر فيه والدته بأنه موجود في مبنى التحقيقات الجنائية، والثاني طلب منهم إرسال ثياب له، لتنقطع أخباره بعد ذلك، حيث طالبت والدته من وزارة الداخلية تمكينها من زيارته بعد قرابة 14 يوماً من توقيفه.
وقالت والدته "ذهبنا إلى مبنى التحقيقات وطلبنا منهم السماح لنا برؤية ابني، إلا أنهم اكتفوا بأخذ الملابس منا فقط، ولم يخبرونا بأي شيء عنه، ومنذ يوم السبت الماضي لم نتلقَ منه أي اتصال أو معلومات، ولا نعرف التهم الموجهة له، إلا أننا عرفنا أنه تم جلبه للمنطقة وتصويره في منزل مهجور فقط".
وتابعت "في يوم توقيف ابني حسن تم توقيف آخرين من منازلهم أيضاً، وكان مجموع الموقوفين في ذلك اليوم 15 شاباً من ضمنهم ولدي، وجميعهم تم نقلهم إلى سجن الحوض الجاف، إلا هو، وهذا الأمر يدفعنا للتساؤل عن طبيعة التهم الموجهة له"، وواصلت الأم "نحن نناشد وزارة الداخلية الإسراع في تحقيقاتها مع ولدي، بالإضافة إلى تمكينه من توكيل محامٍ إن كانت هناك حاجة، والسماح له بالالتقاء معه عند التحقيق، كما نناشدها الإفراج عنه إذا لم تكن عليه أي تهم واضحة، وحالياً نحن نريد السماح لنا بزيارته في أقرب وقت".
|